السعادة والأمور المادية الملموسة بقلم / محمـــد الدكروري

السعادة والأمور المادية الملموسة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كتب علينا الإحسان ونهانا عن الفجور والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان وأشهد أن سيدنا محمدا النبي المصطفى العدنان اللهم صل وسلم عليه صلاة دائمة تشفع لصاحبها يوم العرض على الملك الديان وبعد ولا زال يبحث الإنسان منذ القدم عن السعادة، ويتحرى طرقها وكيفية تحقيقها، ويبذل كل وسعه في ذلك، ساعيا بكل ما لديه من عقل وفكر، ومادة لإيجادها، لكنها تبقى سرا لم يدرك ماهيته إلا القليل فهي شعور داخلي يشعر به الإنسان ليمنحه راحة النفس، والضمير، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، حيث تكمن مشكلة الإنسان الأساسية مع السعادة التي يعانيها منذ الأزل بكونه لا يعلم أدوات تحقيقها، فيحاول أن يجرّب المادة والأمور المادية الملموسة ليصل للسعادة فتجده لا يصل، ولكن ما هي السعادة؟ وأين تكمن؟ وهل هي قرار أم قدر محتوم؟

وما نظرة الإسلام لها؟ وهو إن مفهوم السعادة يختلف من شخص لآخر، وقد إختلف في تعريفها الفلاسفة كذلك إذ إنها مصطلح نسبي، فقد يسعد الإنسان شيء يعد لدى غيره عاديا، ويود الجميع لو يصبحون سعداء، وحين تسألهم ما معنى السعادة؟ لن يستطيع أكثرهم الإجابة بشكل صحيح، ويرجع ذلك إلى أن المفاهيم تعقدت وتشابكت، فما عاد غالب الناس يفرقون بين السعادة والرفاهية والرضا، وبين النجاة من الموت والألم والسعي خلف الرزق ورفاهيات الحياة، وتعد السعادة مفهوما مجردا لا ينحصر بنطاق حسي ولا عقلاني، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو خيالي، ومن هنا تكمن صعوبة حصره وضبطه في بضع كلمات تصفه، واعلموا يرحمكم الله أن القلب مثل الريشه في الفلاه وذلك لخفته وسرعة تأثره بالفتن وهو كالثوب الأبيض يؤثر فيه ادنى أثر وهو كذلك مثل المرآة الصافية.

يؤثر فيها ادنى شيء، وإن القلب عُرضة للفتن، وإن القلب هدف للشيطان، ولما علم الشيطان أن مدار النجاة على القلب أجلب عليه بالوسواس والشهوات والشبهات وزيّن له الباطل ونصب له المصايد والحبائل، حتى يفسد هذا القلب ويجعله بعيدا عن ربه ومولاه غارقا في بحر الفتن، وإن أمراض القلب خفية وإهمالها يؤدي إلى الهلاك مثل الرياء والعجب والكبر والشهرة وغيرها، ويقول الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كنا في الهجرة وأنا ظمآن، فجئت بمذقة لبن فناولتها لرسول الله صلي الله عليه وسلم، وقلت له اشرب يا رسول الله، فيقول أبو بكر رضي الله عنه، فشرب النبي صلي الله عليه وسلم حتى إرتويت، وقيل يوم فتح مكة أسلم أبو قحافة وهو والد أبو أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان إسلامه متأخرا وكان قد عمي، فأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه فقال أبو بكر، لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله، وأسلم أبو قحافة فبكى أبو بكر الصديق، فقالوا له هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ فقال لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر، فسبحان الله ، فرحته رضي الله عنه لفرح النبي صلى الله عليه وسلم أكبر من فرحته لأبيه، وقيل أنه غاب النبي صلى الله عليه وسلم طوال اليوم عن الصحاب الجليل ثوبان خادمه وحينما جاء قال له ثوبان أوحشتني يا رسول الله وبكى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اهذا يبكيك ؟" قال ثوبان لا يا رسول الله.

ولكن تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة فنزل قول الله تعالى في سورة النساء " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا" عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


تعليقات

المشاركات الشائعة