نفحات إيمانية ومع عبد الله بن كعب ( الجزء الثانى ) إعداد / محمـــد الدكـــرور
نفحات إيمانية ومع عبد الله بن كعب ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرور
نتابع الجزء الثانى مع عبد الله بن كعب، ويقول كعب فكنت أخرج فأشهد الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت له يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمن أني أحب الله ورسوله، قال فسكت فعدت فناشدته فسكت فعدت فناشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا نبطي من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، ويقول من يدل على كعب بن مالك.
قال فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه، أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك، قال فقلت حين قرأتها وهذه أيضا من البلاء فتياممت بها التنور فسجرتها بها حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك قال فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال لا بل اعتزلها فلا تقربنها قال فأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه.
قال لا ولكن لا يقربنك فقالت إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا قال فقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه قال فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب، قال فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا، قال ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل منا قد ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفي على سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر قال فخررت ساجدا وعرفت أن قد جاء فرج.
قال فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني فنزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون لتهنئك توبة الله تعالى، عليك حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، جالس في المسجد وحوله الناس فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره قال فكان كعب لا ينساها لطلحة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال وهو يبرق وجهه من السرور ويقول " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " قال فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله فقال " لا بل من عند الله " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأن وجهه قطعة قمر قال وكنا نعرف ذلك قال فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمسك بعض مالك فهو خير لك " قال فقلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر قال وقلت يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت قال فوالله ما علمت أن أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به.
والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي قال فأنزل الله عز وجل ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ) حتى بلغ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) فقال كعب والله، ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد وقال الله تعالى ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس،
ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) وقال كعب كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرنا حتى قضى فيه فبذلك قال الله عز وجل، وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر الله مما خلفنا تخلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه، وعن الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه عبيد الله بن كعب وكان قائد كعب حين أصيب بصره وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت أبي كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم
ويحدث أنه لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط غير غزوتين، وساق الحديث، وهذه قصة كعب بن مالك الأنصاري وصاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع في تخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر شرعي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، في سنة تسع من الهجرة أعلن للناس غزوه للروم وأنه سوف يتوجه إلى الروم، وكان ذلك في حر شديد في القيظ، يعني حين طابت الثمار وطاب الظلال، فأعلن للناس أمرهم وجلى للناس أمرهم فتجهز للغزو معه جم غفير يبلغون ثلاثين ألفا أو أكثر يريدون غزو الروم في الشام، وكان كعب بن مالك وصاحباه قد تخلفوا عن الغزو بدون عذر شرعي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، أعلن الغزو على الجميع النفير العام، فلم يزل التمادي بكعب وصاحبيه حتى تخلفوا عن الغزو بدون عذر شرعي، واستقر في تبوك حتى أمره الله.
وأذن الله له بالرجوع لأسباب اقتضت ذلك فرجع ولم يباشر العدو ولم يباشر الروم، وكان كعب وصاحباه قد تخلفوا من دون عذر شرعي، فلما بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم، سوف يقدم أصابه من الشدة والحرج الشيء الكبير بماذا يعتذر ماذا يقول هو وصاحباه ثم وفقهم الله تعالى للصدق، أما الأعراب الذين تخلفوا وهم جماعة من الأعراب تخلفوا وتعذروا بالكذب فعذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، على ظاهرهم وأنزل الله فيهم ما سمعتم من الوعيد الشديد، والمقصود أن هؤلاء الثلاثة صدقوا، وأنهم تخلفوا بغير عذر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بهجرهم فهجروا، هجرهم الصحابة، لأنهم تخلفوا عن الغزو بغير عذر شرعي، وهجروا خمسين ليلة وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، واشتد عليهم الأمر لا يكلمهم أحد لا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا غيره،ثم إن الله عز وجل، علم صدق توبتهم وندمهم فأنزل الله تعالى توبتهم من فوق سبع سماوات.
تعليقات
إرسال تعليق