الدكرورى يكتب عن إنا إلى ربك الرجعى بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الدكرورى يكتب عن إنا إلى ربك الرجعى 
بقلم / محمـــد الدكـــرورى 

إن الإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى هي مفتاح السعادة والهداية، والإنابة والرجوع إلى الله عز وجل، هى مانعة من عذاب الله تعالى، والمنيب إلى الله تعالى هو المتذكِّر حال نزولِ النعم، وإنه لا يعتبِر بالآيات ولا يتّعظ بالعِبر إلاّ المنيب إلى ربه سبحانه وتعالى، و كلنا مذنبون مخطئون، فنقبل على الله تارة، وندبر أخرى، ولهذا قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي، فحياتنا كلها تدور على مقاومة الذنوب ومدافعتها، ولو لم نكن كذلك لذهب الله بنا وأتى بغيرنا ليذنبوا فيغفر لهم، والذنوب كالأمراض، منها المرض العارض، ومنها الشديد، ومنها المزمن الذي يحتاج لعلاج قوي، ومن المهم أن يشخص الإنسان حالته، ويضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى يعرف علاجها.

 والجنة أُعدّت نُزلا للقلب الخاشع المنيب، وإن حقيقة الإنابة هي الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، بعمل الطاعات والصالحات، وترك الغفلة والمعاصي، وهي منزلة أعلى من التوبة، فإن الإنابة مع ترك الغفلة والمعاصي تدل على ذلك، وتدل على الإقبال على الله عز وجل، بالعبادات، وإن من أكثر الرجوع إلى الله تعالى كان الله مفزعه عند النوازل والبلايا والفواجع، فحقيق بالمرء أن ينيب إلى ربه وأن يحاسب نفسه على ما سلف وعلى ما اقتَرف من عصيان، ويقول الحسن البصري رحمه الله: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانَت المحاسبة همته، والمؤمن في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن، واعمل بوصية النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

عندما قال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" رواه البخاري، ومن كانت الآخرة همّه كانت همّته في تحصيل الزاد الصالح، وإذا استيقَظت القلوب استعدت للآخرة، وإن من اجتَهد في محاسبة نفسه ولجمها عن العصيان نجا في الآخرة من الندامة والخسران، وأنه من الفطر التي فطر الله تعالى الإنسان عليها، هو أنه مخلوق مبتلا بالنقص والوقوع في التقصير والتفريط وانتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى، والناجون من هذا الابتلاء هم أهل النبوة والرسالة فقط، لأنه عصمهم الله من الشيطان، ومن كرم الله وفضله ومنه أن امتن على عباده بباب عظيم اسمه باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، أو وصول الإنسان إلى الغرغرة، فعلى الإنسان المبادرة إلى نعمة التوبة التي امتن الله بها عليه.

وقد أمر الله تعالى المهاجرين والأنصار بعد أن عاشوا سنوات مديدة من حياتهم جهادا ونصرة وابتلاء في الأنفس والأموال بأن يتوبوا توبة نصوحة، والتوبة رأس الاستقامة، وكذلك التوبة هى رأس كل حال، ونهاية كل مقام، وكل إنسان مطالب بالتوبة في جميع أحواله، لأنه لا يستطيع أن يعبد الله حق عبادته، والتوبة عبادة عظيمة والناس مقصرون فيها كثيرا، والتائب لا يكون تائبا إلا إذا توفرت فيه شروط التوبة، وهى الندم على انتهاك حرمات الله تعالى، وكذلك الاقلاع عن المعصية،  والعزم على أن لا يعود إلى الذنب ما بقي حيا، وأيضا رد حق الغير إن كانت المعصية بسبب التعدي عليه، إن أمكن ذلك، وإن حكم التائب إذا خاف عند رد حق الغير من حدوث نزاع أو شقاق. 

فليعلم أن حقوق الغير في بعض الأحيان تكون أخطر من حقوق الله تعالى، وإن أعظم شروط التوبة هى الندم والإنكسار وهما الدليل على صدق التوبة ، وكذلك أيضا هو من علامات صدق التوبة، ولنعلم جميعا أن التوبة هى أم العبادات، وينبغي مصاحبتها في حياتنا كلها، وإن من بعض أنواع الذنوب التي نغترفها ونتواطؤ عليها هو التقصير في تربية الأبناء، وكذلك التقصير في تعلمنا أحكام الدين، ولنعلم جيدا أنه متى تكرر الذنب، واشتدت الغفلة، تحول خوف العاصي وحزنه إلى فرح عند ظفره بشهوته المحرمة، وهذا الفرح دليل على شدة الرغبة في المعصية، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها، والجهل بقدر من عصاه سبحانه ، ومن كان كذلك، فليتهم إيمانه، وليبكى على موت قلبه. 

وليحذر من أن يوافي ربه على ذلك وليحذر من الإصرار على الذنب ، فإن تكرار الذنب يقود العاصي ولا بد إلى الإصرار، والإصرار على المعصية ذنب عظيم ، لعله أعظم من الذنب الأول بكثير، ولهذا قيل، لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ، ولنحذر أيضا المجاهرة بالذنب وإشاعة المعصية، فهذه المرتبة من أخطر المراتب، وإن صاحبها متوعد بعدم المعافاة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال:" كل أمتي معافى إلا المجاهرين"  ولكن كيف يجاهر الإنسان بالذنب، وهو يتيقن نظر الله سبحانه وتعالى، من فوق عرشه إليه، فإن آمن بنظره إليه، وأقدم على المجاهرة فهو قلة حياء مع الله عز وجل، وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه، فذلك كفر، وانسلاخ من الإسلام بالكلية.

ولهذا كان المجاهر دائر بين الأمرين، وهما بين قلة الحياء، وبين الكفر والانسلاخ من الدين عياذا بالله ، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقوله سبحانه وتعالى : ( كلا إن الإنسان ليطغى ) قيل إنه نزل في أبي جهل وقيل أنه نزلت السورة كلها في أبي جهل، وقد نهى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة ، فأمر الله تعالى  رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن يصلي في المسجد ويقرأ القرآن، وقيل أن الإنسان هنا هو أبو جهل، وأن الطغيان هو مجاوزة الحد في العصيان، ومعنى ( أن رآه ) أي لأن رأى نفسه استغنى، أي صار ذا مال وثروة، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه، قال : لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون، أتاه أبو جهل. 

فقال : يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا، لعلنا نأخذ منها، فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، قال فأتاه أمين الوحى جبريل عليه السلام، فقال : ( يا محمد خيرهم في ذلك فإن شاءوا فعلنا بهم ما أرادوه فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة )  فعلم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أن القوم لا يقبلون ذلك، فكف عنهم إبقاء عليهم، ثم قال الله سبحانه وتعالى : ( إن إلى ربك الرجعى ) وهذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان، ومعنى الرجعى، أى المرجع والرجوع إلى الله تعالى، وفي معنى الآية وجهان، أحدهما هو أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه، ونظيره  فى قوله سبحانه : ( ولا تحسبن الله غافلا ) .

إلى قوله سبحانه ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل، وأما عن القول الثاني، فهو أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت، كما رده من النقصان إلى الكمال، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة، ومن الفقر إلى الغنى ، ومن الذل إلى العز، فما هذا التعزز والقوة، ولكن فى النهايه فإن أفضل الخلق وأهداهم أتمّهم عبودية لله، وسرور القلب وانشراح الصدر في إنابة العبد إلى الله والإقبال عليه والاستعانة به، والرجوع إلى الله والإنابة إليه عبادة عظيمة من سنن الأنبياء والمرسلين، فقال سبحانه وتعالى عن نبيه داود عليه السلام: ﴿ وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ) .


فعن أبي موسى الأشعري عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه مسلم، فإذا وقعت في الذنب فانكسر لربك واندم، وقل يارب، لم يكن مني ما كان عن استهانة بحقك، ولا جهلاً به، ولا إنكاراً لاطلاعك، ولا استهانة بوعيدك، وإنما كان من غلبة الهوى، وطمعا في مغفرتك، واتكالا على عفوك، وحسن ظن بك، ورجاء لكرمك، وطمعا في سعة حلمك ورحمتك، وغرني بك الغرور، والنفس الأمارة بالسوء، وسترك المرخي علي، وأعانني جهلي، ولا سبيل إلى الاعتصام لي إلا بك، اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد