الدكرورى يكتب عن صلاة الإستسقاء بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الدكرورى يكتب عن صلاة الإستسقاء 
بقلم / محمـــد الدكـــرورى 

لقد كتب الله عز وجل، على عباده البلاء من الخوف والفقر والضيق في العيش، والأمراض والأسقام والآلام، وكل ذلك لكى يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه ويخشعون، فالله عز وجل يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه، وأحب ما إليه هو انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه سبحانه، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف، فرحمته اقرب إلى هذا القلب من اليد للفم، ومن هنا كان تضرع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وكان التجاؤهم إلى الله تعالى سمة بارزة في سيرتهم العطرة حين نزل بهم البلاء واشتد عليهم الكرب.

ويكفي أن من يطالع سيرة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من أمته، حتى يتأكد له التزامهم في البأساء والضراء وزمن المحن والابتلاءات بالتضرع وشدة الإلتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، فمع تضرع والتجاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى الله سبحانه وتعالى في كل أحواله، إلا أن شدة تضرعه وانكساره وإلحاحه على ربه باستجابة دعائه كانت في وقت الحروب والأزمات، وكان أيضا نداء نوح عليه السلام ربه أن ينجيه وأهله من الكرب العظيم، كما كان التجاء ابراهيم عليه السلام إلى الله وحده أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى زوجه وولده، وافتقار أيوب عليه السلام أن يكشف الله ما نزل به من ضر، واستغاثة يونس عليه السلام في ظلمة جوف الحوت وقاع البحر أن ينجيه من الغم.

كما كانت شكوى يعقوب عليه السلام لله وحده، (قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله ) فإذا قحط الناس وأجدبت الأرض واحتبس المطر، فهنا يستحب أن يخرج الإمام ومعه الناس إلى المصلى، ويصلى بهم ركعتين، ويخطب بهم، ويدعو الله تعالى بخشوع وتضرع، لأنه الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عباد بن تميم عن عمه قال: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي، واستقبل القبلة فصلى ركعتين، وقلب رداءه، فجعل اليمن على الشمال " رواه البخاري ومسلم، وإن صلاة الاستسقاء هى سنة مؤكدة عن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عند انحباس المطر، وقد قال ابن قدامة : " صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه " 

وقال ابن عبد البر: " وأجمع العلماء على أن الخروج إلى الاستسقاء عند احتباس ماء السماء وتمادي القحط : سُنة مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك، وصلاة الاستسقاء، هي صلاة نافلة يصليها المسلمون وهى تصلى طلبا لنزول الغيث ( المطر) ليقطع الجفاف أو يقضي حاجة أخرى في نية المصلي، وهي ركعتان تصليان جماعةً بإمام، وأما عن كيفية صلاة الاستسقاء، فصلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد، يصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعًا وفي الآخرة خمسًا، ويكبر تكبيرة الإحرام وستا بعدها، ثم يستفتح، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها، ثم يركع ثم يرفع ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم إلى الثانية فيصليها مثل صلاة العيد، يكبر خمس تكبيرات إذا اعتدل ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها. 

ثم يقرأ التحيات ويصلي على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو ثم يسلم، مثل صلاة العيد، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد صلاها كما كان يصلي في العيد عليه الصلاة والسلام، ثم يقوم فيخطب الناس خطبة يعظهم فيها ويذكرهم، ويحذرهم من أسباب القحط، يحذرهم من المعاصي، لأنها أسباب القحط وأسباب حبس المطر وأسباب العقوبات، فيحذر الناس من أسباب العقوبات من المعاصي والشرور وأكل أموال الناس بالباطل والظلم وغير ذلك من المعاصي، ويحثهم على التوبة والاستغفار ويقرأ عليهم الآيات الواردة في ذلك والأحاديث، ثم يدعو ربه رافعًا يديه، ويرفع الناس أيديهم يدعون، ويسأل ربه الغوث، ومن ذلك اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا ثلاث مرات.

اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجلا سحا طبقا عاما نافعا غير ضار، تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله يا رب بلاغا للحاضر والباد، وهذا من الدعاء الذي دعا به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركاتك، ويلح في الدعاء ويكرر في الدعاء: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، مثلما فعل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يستقبل القبلة في أثناء الدعاء، ويستقبل القبلة وهو رافع يديه ويكمل بينه وبين ربه وهو رافع يديه ثم ينزل، والناس كذلك يرفعون أيديهم ويدعون مع إمامهم، وإذا استقبل القبلة كذلك هم يدعون معه، بينهم وبين أنفسهم ويرفعون أيديهم، ومن السنة أن يحول رداءه في أثناء الخطبة عندما يستقبل القبلة يحول رداءه. 

وهو أن تجعل ما على الأيمن على الأيسر إذا كان عليه رداء أو بشت وإن كان عليه بشت يقلبه، وإن كان ما عليه شيء كالغترة يقلبها، وقال العلماء عن ذلك: هو تفاؤل بأن الله تعالى يحول القحط إلى كسب، ويحول الشدة إلى الرخاء، لأنه جاء في حديث مرسل عن محمد بن علي الباقر "أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حول رداءه ليتحول القحط"، يعني: تفاؤل، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد "أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حول رداءه لما خرج، أى لما صلى بهم صلاة الاستسقاء"، والسنة للمسلمين كذلك، أما في خطبة الجمعة فلم يحول رداءه عليه الصلاة والسلام، دعا واستغاث وهو في خطبة الجمعة، وكان ذلك في ضمن دعائه عليه الصلاة والسلام.

والاستغاثة تكون في خطبة الجمعة وتكون في خطبة العيد وتكون في غير ذلك، ويستسقي ولو جالسًا في البيت أو في السوق لا بأس، وكذلك أيضا دعاء الاستسقاء مطلوب من الفرد والجماعة، ولكن إذا صلى بهم ركعتين خرج بهم إلى الصحراء وصلى بهم ركعتين كالعيد فإنه يخطب بعد ذلك ويدعو ويحول رداءه كما فعله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عند استقباله القبلة، ويجوز أن يخطب قبل ذلك، أى قبل الصلاة، ثم يصلي بعد، فقد جاء هذا وهذا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أنه خطب قبل الصلاة وجاء أنه خطب بعد الصلاة، وبعد الصلاة كالعيد وقبل الصلاة كالجمعة وكل هذا فعله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد فعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام.

والمقصود هو الدعاء والضراعة إلى الله تعالى ورفع الشكوى إليه عز وجل في إزالة القحط والشدة وفي إنزال المطر والغوث منه سبحانه وتعالى، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ركع ثلاث ركوعات وبعضها أربع ركوعات وبعضها خمس ركوعات، لكن الأصح والأرجح عند المحققين من أهل العلم أنه صلى ركعتين بركوعين فقط، بركوعين وقرائتين وسجدتين هذا هو الأصح، وهذا هو أصح ما جاء في هذا كما تقدم، فصلى ركعتين، ثم قرأ التحيات وصلى على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا، ثم لما سلم خطب الناس وذكرهم، وبين لهم أحكام الاستسقاء وبين لهم عقوبات الذنوب والحذر منها، وبين لهم أنه ينبغي لهم الصدقة والإحسان والإكثار من ذكر الله واستغفاره، وهكذا ينبغي لأئمته، والخطباء. 

وهو أن يذكروا الناس وينبهوهم كما فعل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أن يصلي الإمام بالناس ركعتين في وقت يكون لا يتواجد الماء أى فى جفاف، ولا يكون وقت الكراهة، ويجهر في الأولى بالفاتحة، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بالغاشية، وقلنا أن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد تماما، فيكبر فيها سبعا في الركعة الأولى، وخمسا في الثانية، ولا يشترط لصلاة الاستسقاء أذان، كما لا يشترط الأذان لخطبتها، وينادى لها بالصلاة جامعة، ثم يخطب الناس فإذا انتهى من الخطبة يندب أن يحول الخطيب رداءه، ولو كان شالا أو عباءة، والمصلون جميعاً يحولون أرديتهم، وذلك بأن يجعلوا ما على أيمانهم على شمائلهم، ويستقبلوا القبلة، ويدعو الله رافعي الأيدي، مبالغين في ذلك.

وعن ابن عباس ما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعا أى لابسا ثياب العمل، متخشعا مترسلا أى غير مستعجل في مشيه، ومتضرعا" رواه الترمذي، وعن السيده عائشة رضي الله عنها قالت: " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحُوط أى احتباس المطر، فأمر بمنبر، فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس أى ضوءها، فكبّر وحمد الله، ثم قال: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين" ثم رفع يديه، فلم يزل يدعو، ثم حوّل إلى الناس ظهره، وقلب رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، فصلى ركعتين " رواه الحاكم

وللفقهاء في تقديم الخطبة أو تأخيرها ثلاثة أقوال، وهو تأخير الخطبة إلى ما بعد الصلاة وتقديمها جواز الأمرين، وأما عن ما يستحب قبل الخروج لصلاة الاستسقاء، فإنه يُستحب قبل الخروج إلى الصلاة، هو التوبة، والصدقة، والخروج من المظالم، والمصالحة بين المتخاصمين، وصيام ثلاثة أيام، ثم الخروج في اليوم المعين لذلك، ويخرج الصبيان، والشيوخ، والعجائز، ويباح إخراج البهائم والصغار، ومن أشهر ما ورد عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان وِجاهَ المنبر، النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قائم يخطب، فاستقبل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قائما، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقَطعت السُبل. 

فادع الله يغيثنا فرفع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،  يديه، فقال: " اللهم إسقنا " فقال أنس رضى الله عنه: فوالله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع مِن بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترسِ فلمَا توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: فوالله ما رأينا الشمس سبتا، وقال: ثم دخل رجل من الباب فى الجمعه المقبله، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يخطب الناس فاستقبله قائما، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السُبل، فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يديه وقالَ: اللهم حوالنا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب قال: فأقلعت، وخرج يمشي في الشمسِ، وأَن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

استسقى فى بعض غزواته لما سبقه المشركين إلى الماء، فأصاب المسلمين العطش، فشكوا إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعض المنافقين لو كان نبيا استسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: " أوقد قالها؟ عسى ربكم أن يسقيكم "، ثم بسط يده ودعا فما رد يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب، وأمطروا، فأفعم السيل الوادى، فشرب الناس فارتووا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،  أنه قال: " خرج سليمان عليه السلام يستسقي فمر بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك اللهم فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا. 

فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم، وقد قيل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استسقى بالعباس بن عبد المطلب عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس فقال: "اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم، نتوجه إليك به فاسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل" وروي أن معاوية خرج يستسقي، فلما جلس على المنبر، قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فقام يزيد، فدعاه معاوية بن أبي سفيان، فأجلسه عند رجليه، ثم قال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود، يا يزيد، ارفع يديك، فرفع يديه، ودعا الله تعالى، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهب لها ريح، فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم، واستسقى به الضحاك مرة أخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد