عجائب المعاملات الصادقة بقلم / محمـــد الدكـــروري

عجائب المعاملات الصادقة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتي يحب للناس ما يحب لنفسه " وإن تطبيقات هذا الأصل العظيم واسعة متعددة، وعلى سبيل المثال إذا أراد هذا الذي يسير في الطريق أن يرمي شيئا في طريق الناس، هل يرضى أن يُرمى هذا الشيء أمام باب داره، أو في فناء بيته؟ أو هل يرضى أن يرمي أحد أمامه شيئا وهو من ورائه فيتضرر بذلك؟ إذا وضع هذا الميزان فإنه لن يفعل، وهل يرضى أحد وهو في طريقه وقد أضاءت إشارة المرور الخضراء أن يأتي شخص مستهتر متهور، فيقطع الإشارة أمامه، فيعرضه وأهله أو غيرهم للهلاك والموت، وحينما يريد أن يبيع أو يشتري.

أو يريد أن يخطب من الناس أو غير ذلك من التعاملات، هل يرضى أن يعامل بالإخلال ؟ لا يرضى بذلك، فهو كذلك أيضا لا يقبل من نفسه بمقتضى إيمانه أن يخل بحق أحد من الناس، والذي يكره أن يغلق عليه أحد الطريق أو يضيق عليه بسيارته يكره للناس ذلك، والذي يحب أن يقدر ويحترم ويعامل بالحسنى وتحفظ حقوقه يحب للناس ذلك ويعاملهم به، فيا أيها الموظف أو المسؤول في دائرة خدمية لو كانت لك معامله وتريد إنجازها فهل تحب أن تؤخر أو تعطل لتعنت موظف أو عدم تواجده، فما تكرهه لنفسك لا ترضاه لغيرك وما تحبه لنفسك أحرص على بذله للناس وأحب لهم ما تحب لنفسك، وإن الإسلام دين علم وفكر وثقافة، يحترم العقل البشري، ويحث على التفوق في العلوم، واكتساب الخبرات والمعارف الدينية والدنيوية حيث يقول الحق سبحانه وتعالي "اقرأ باسم ربك الذي خلق"

ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "العلماء ورثة الأنبياء" ويقول صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة" وإن من عجائب المعاملات الصادقة، ما رواه الطبرانى، أن جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه أمر مولاه أن يشترى له فرسا، فاشترى له فرسا بثلاثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس "فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، إلى أن بلغ ثمانمائة، فاشتراه بها، فقيل له في ذلك فقال "إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم" وإن من مظاهر البيع والشراء عندنا هو كثرة الحلف بحق وبغير حق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

بأنه سيأتي بعده قوم"يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويحلفون ولا يُستحلفون " متفق عليه، ومن خطير الوعيد قول النبي صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ينظر الله إليهم غدا، شيخ زان، ورجل اتخذ الأيمان بضاعة يحلف في كل حق وباطل، وفقير مختال يزهو" رواه الطبرانى، فكم من التجار يحلفون إن سلعتهم من النوع الرفيع دون أن يسألهم المشتري، ما يريد إلا تزيين سلعته؟ وبعضهم يحلف إنه أعطي من الثمن كذا وكذا وهو كاذب، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله اليوم أمنعك فضلى كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" رواه البخاري.

فالحلف وإن تحصّل من ورائه مال كثير، غير أنه ممحوق البركة لا خير فيه، كما قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " الحلف منفقة السلعة، ممحقة للكسب" متفق عليه، وفى رواية أبى داود قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " ممحفة البركة" وبعض البائعين يحلف إنه لن يبيعها بثمن كذا، ثم هو يبيعها، ولا يدري أنه بعمله هذا قد جعل آخرته في خطر، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال، مر أعرابى بشاة، فقلت "تبيعها بثلاثة دراهم؟ فقال "لا والله" ثم باعها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال"باع آخرته بدنياه" وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم " إياكم وكثرة الحلف فى البيع فإنه ينفق ثم يمحق" رواه مسلم، ولقد فطن القانون الجنائي عندنا في شقه المتعلق بالزجر على الغش في البضائع، وشدد العقوبة على البائعين الغششة المحتالين.

فنص فى الفصل الأول على عقوبتهم بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وهكذا يجب على الإنسان المؤمن أن يتحرى الحلال في المعاملة، والصدق في البيع والشراء، لقول الله تعالى" يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم" نسأل الله عز وجل ان يجعلنا ممن يحب الغير للناس كافة كما نحبه لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لأنفسنا يا رب العالمين.


تعليقات

المشاركات الشائعة