لماذا لم يُطلعنا الله على حكمته؟! بقلم : عمر أحمد عبد العزيز

لماذا لم يُطلعنا الله على حكمته؟!

بقلم : عمر أحمد عبد العزيز

قد نجد أمورا في الكون، وأوامر إلهية و مواقف لا نعرف حكمة الله عزوجل منها، ولاسيما تلك المواقف التي نمر بها كالإبتلاءات والمحن المُختلفة، مما يُسبب لنا الألم و الحيرة مُتسائلين لماذا لم يُعلمنا الله حكمته كاملة؟

ولكن دعونا نتساءل أولا قبل الإجابة كيف لطفل صغير أن يستوعب كيفية حدوث عملية التزاوج أو حقيقة الموت وأن الإنسان سيتحلل في قبره حتى يصبح ممزوجا بالتراب، كيف يستوعب معنى الفلسفة أو مما تتكون الذرة، كيف يدرك أمورا ليست مُناسبة لعقله الحالي؟!

بكل بساطة نحن تماما بالنسبة للخالق كالأطفال ولكن أطفال لا يكبرون أبدا؛ حيث يظل عقلنا البشري محدودا ومقيدا، فكل تلك العلوم والحقائق التي توصلنا إليها بإرادة الخالق وكرمه ما هي إلا مجرد جزء من كل غير منتهي من خزائن الله من المعرفة والحكمة، فنحن مهما تعلمنا وتطورنا جهلاء بالنسبة لعلم خالقنا.

كما أنه كيف كان سيعلمنا الله حكمته في كافة الأمور ؟أهل عن طريق القراءن الكريم، فلو كان الأمر هكذا لهجره الجميع لأن صفحاته حتما كانت سوف لا تُعد ولا تُحصى.

فالله سبحانه وتعالى جعل كتابه مناسبا ومتوازنا. فلا مطول للغاية بشكل مُنفر ولا موجز بشكل ينتقص أو يخل بالمعلومات أو القواعد الإلهية السامية.

وبالطبع من المُستحيل أن يُنزل الله على كل واحد منا وحي يُعلمه حكمة الخالق، فالله سبحانه وتعالى اختص الأنبياء فقط بنزول الوحي وذلك لتبليغ الرسالات الدينية فحسب.

ومع ذلك فالله لم يُطلع الأنبياء على غيبه بالرغم من علو منزلتهم واختصاصهم بالوحي دون عن غيرهم من البشر، حيث يقول جل علاه لسيدنا "محمد" صل الله عليه وسلم : {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. [الأعراف 188]

ولكن ربما نتساءل أيضا "لماذا لم يخلق الله عقولا مُدركة لحكمته وعلمه طالما هو الخالق القادر على فعل كل شيء" ؟!
وحقيقة ذاك السؤال رائع وتحقيق ذلك المراد كغيره بكل تأكيد يسيرا جدا على الله جل علاه، ولكن كيف ستتحقق العبادة الغيبية والحب الخالص ونحن نعلم حكمة الله في كل شيء، فالأب يُحب أن يُطيعه أولاده دون أن يُفسر لهم سبب الوسيلة التي ينهجها معهم في التربية والمُحب يُريد أن يحبه محبوبه دون أي أسباب أو تفسيرات أو شروط، فما بالك إذن بالخالق الذي له المثل الأعلى؟!

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}. (3)

ومع ذلك فالمولى عزوجل يعلمنا بحكمته التي تتناسب مع عقولنا في الكثير من المواقف أو الإبتلاءات التي نمر بها، فكم كان لنا في المحنة منحة، وكم كان لنا في البلاء خلاص وكنا نجهل ذلك في بداية الأمر، فقد تُطلق الزوجة تعسفا وقهرا فيُعوضها الله ويرزقها بزوج شديد الجود والحب لتسعد معه بقية حياتها، وقد يُفصل الرجل ظلما من عمله فيُفكر في العمل الحر فيُصبح بعد فترة من رواد الأعمال والأثرياء.

وقد يولد الطفل يتيما فيقترب أكثر من الخالق ليستمد منه الحب والأمان، فيُصبح من الزاهدين المُطمئنين قلوبهم في الدنيا غير ما ينتظره من نعيم وثراء في الآخرة.

كل ما يجب أن نُدركه فحسب أن كل ما يصيبنا من منح أو إبتلاءات أو حزن أو فرح حكمة من الخالق سبحانه وتعالى ، فبعد إيماننا به لا يهمنا شيئا آخر لأننا نثق كل الثقة في عظمته، وعلمه، وقدرته ورحمته التي وسعت كل شيء، فرب الخير لا يأتِ أبدا إلا بالخير كله.

فالحمدلله كثيرا على ما نحن عليه والحمدلله على ما لا نعلمه قبل ما نعلمه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد