فى طريق الاسلام ومع أبو سلمه بن عبد الرحمن بن عوف إعداد / محمـــد الدكـــرورى
فى طريق الاسلام ومع أبو سلمه بن عبد الرحمن بن عوف
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن للعلم والتعلم فضائل كثيرة، وفضائل جليله، وإن من فضائل العلم وبركاته أن القرآن الكريم لم يقبل مجرد المقارنة بين أهل العلم وفاقديه على الإطلاق وعدّ ذلك قياسا مرفوضا، وقبل هذا كله فالعلم هو طريق المعرفة للاعتقاد في رب الأرباب سبحانه وتعالى، ولاهتمام الإسلام بالعلم فقد جاءت أول آيات القرآن الكريم، أمرا بالقراءة والتعلم، ولفضل العلم وكرامته فقد طلب نبى الله موسى عليه السلام من العبد الصالح صحبته لغرض التعلم، ولفضل العلم في حياة الخلق نجد أنه لا يحمله إلا كرام الناس وأهل الأمانة، ومن فضل العلم أنه هداية للصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، وأهل العلم هم أهل البصائر يرون ما يراه الناس، وأهل العلم أيضا هم أهل الخشية من الله سبحانه وتعالى، وهم كذلك أهل الشهادة مع مولاهم والملائكة الكرام، وهم أيضا أهل الخيرية.
وإن طريق طلاب العلم هو طريق الجنة ونعيمها في الدنيا والآخرة، ومع ذلك فإن مجالس العلم مظنات السكينة والرحمة وتنزلات الملائكة، والعالم الصالح مقدم في أبواب الفضل على العابد كما جاءت بذلك الأحاديث النبويه الشريفه، فقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب " وحتى بعد الموت تنال بركات العلم أهله، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال، قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم، وسوف نتكلم عن عالم من العلماء وهو فقيه من الفقهاء السبعه فى المدينه فى زمن الخليفه الأموى الراشد عمر بن عبد العزيز، إنه هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وهو تابعي، وهو أحد رواة الحديث النبوي الشريف ، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة من التابعين، والقاضي عليها من سنة ثمانى وأربعون من الهجره، إلى سنة أربعه وخمسين من الهجره، وهو ابن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، ولقد نظرت الكتب الإسلامية إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نظرة إجلال وإكبار وتقدير، ووجدنا ذلك واضحا في كتب علماء الرجال والتراجم، مثل كتب ابن سعد والخطيب البغدادي وابن عساكر والذهبي وابن كثير وغيرهم من الذين ترجموا له ترجمة وافية، واتفقوا على جلالته وإمامته وعظم قدره، وارتفاع منزلته، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد أختلف في اسمه، فقيل هو عبد الله، وقيل هو إسماعيل، وقيل أن اسمه أبو سلمة الذي يُكنّى به.
وهو من بني زهرة بن كلاب أخوال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأمه تماضر بنت الأصبغ بن عمرو من بني كلب من قُضاعة من أهل دومة الجندل، وهي أول كلبية يتزوجها قُرشي، وقد أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر، فكانت بذلك عائشة بنت أبي بكر خالته من الرضاعة، وكان أبوه هو عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، وهو أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو أحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وهو أحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده، وقد كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن، وقد وُلد عبد الرحمن بن عوف بعد عام الفيل بعشر سنين، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق.
وقد هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي الشريف، فشهد غزوة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان، وأرسله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على سرية إلى دومة الجندل، وصلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وراءه في إحدى الغزوات، وكان عمر بن الخطاب يستشيره، وجعله عمر في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال عنهم : "هم الذين توفي رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض، توفى عبد الرحمن بن عوف سنة اثنين وثلاثين من الهجره، وصلى عليه عثمان بن عفان، وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة، وكان عبد الرحمن بن عوف تاجرا ثريا، وكان كريما، حيث تصدَق في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
بنصف ماله والبالغ أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، واشترى خمسمائة فرس للجهاد، ثم اشترى خمسمائة راحلة، ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار، وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كبير، وأعتق بعض مماليكه، وكان ميراثه مالًا جزيلًا، وأما عن أبو سلمه بن عبد الرحمن بن عوف فكانت أمه هى تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبه بن حصن بن ضوضم بن عدى بن جناب بن هبل، وهى من كلب الكلبية القُضاعية، وقيل هي تماضر بنت زبان بن الأصبغ، وهي ابنة الأصبغ بن عمرو ملك بني كلب، وكانت أمها جويرية بنت وبرة بن رومانس، من بني كنانة، وهي أول كلبية يتزوجها قرشي، حيث تزوجها عبد الرحمن بن عوف بأمر من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنجبت له أبي سلمة.
وقيل أنه طلقها عبد الرحمن بن عوف قبل وفاته، ثم تزوجها الزبير بن العوام وطلقها بعد سبع ليال، وأما عن زواجها بعبد الرحمن بن عوف، فإنه في غزوة دومة الجندل عام خمسه من الهجره، فقد بعث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل ليقاتل بني كلب بعدما فروا من المواجهة، وأمره أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله عليه، فقال له صلى الله عليه وسلم " هكذا فاعتم يا ابن عوف اغد باسم اللَّه، فجاهد فِي سبيل الله تقاتل من كفر بالله، إِذا لقيت شرفا فكبر، وإذا ظهرت فهلل، وإذا هبطت فاحمد واستغفر، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك، فإن فتح على يديك فتزوج بنت ملكهم" وكان الأصبغ بن ثعلبة ملكهم، فتزوج عبد الرحمن بن عوف، ابنته تماضر، ثم قدم بها المدينة، فكانت أول كلبية يتزوجها قرشي.
وقد أنجب منها الفقيه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن بن عوف إذا سألته امرأة أن يطلقها طلقها، فلما مرض قبل وفاته أرسلت إليه تماضر تسأل طلاقها، فقال للرسولة: قولي لها : إذا حضت ، فلتؤذني فحاضت ، فأرسلت إليه ، فقال للرسولة : قولي لها : إذا طهرت فلتؤذني ، فطهرت فأرسلت إليه في مرضه ، فقال رضى الله عنه : وأيضا وغضب ، فقال : هي طالق ألبتة لا أرجع لها، ثم مات بعد ذلك بقليل، وكان موت عبد الرحمن في شهور عدتها، فورّثها عثمان بن عفان منه، ورُوى أن نصيبها كان ثمانين ألفا، وأما عن أبو سلمه بن عبد الرحمن بن عوف، فحين تولى سعيد بن العاص إمرة المدينة في ولايته الأولى سنة ثمانى وأربعين من الهجره، فقد اختار أبا سلمة قاضيا عليها، فظل على قضائها إلى أن عُزل سعيد سنة أبعه وخمسين من الهجره.
وأما عن سعيد بن العاص فهو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، وكانت كنيته أبو عبد الرحمن، وقد مات أبوه يوم بدر في جيش قريش، وهو صحابي صغير مات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وله تسع سنين أو نحوها، وكان هو أحد أشراف قريش وأجوادها وفصحائها الممدّحين، وكان له ذكر في كتب الحديث، وقد روى الحديث عن عمر بن الخطاب والسيده عائشة بنت أبي بكر، رضى الله عنهم أجمعين، وقد روى عنه الحديث بنوه عبد الرحمن وعثمان والأشدق، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله وغيرهم، وقد عرض عليه القرآن في خلافة عثمان بن عفان حين جمع القرآن لأن قرائته كانت أشبه بقراءة الرسولالكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ولي الكوفة في عهد عثمان بن عفان ما يقارب من خمس سنين، وغزا طبرستان فافتتحها.
ولما وقعت فتنة الخلافة بين علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان اعتزل الفتنة، وأقام بمكة، وكان معاوية يقدمه من بين رجالات قريش، وولاه المدينة المنورة سنة أثنين وأربعين من الهجره، لأكثر من مرة مناوبة مع مروان بن الحكم، وكان يقول: لجليسي عليّ ثلاث خصال: " إذا دنا رحبت به وإذا جلس أوسعت له وإذا حدث أقبلت عليه "، وقد ورد أنه استسقى ذات يوم من دار من دور المدينة فسقوه، ثم إن صاحب الدار عرضها للبيع بأربعة آلاف دينار كانت عليه، فقال سعيد إن له علينا ذماما وأداها عنه، وقد أطعم الناس في سنة مجدبة حتى أنفق ما في بيت المال وأدان، فعزله معاوية لذلك، وقد مات سعيد بن العاص في قصره بالعرصة على بعد ثلاثة أميال من المدينة ودفن في البقيع بناء على وصيته سنة تسعه وخمسين من الهجره.
ولقد كان أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيها كثير الحديث، ومن أفاضل قريش وعبّادهم، ومن فقهاء أهل المدينة، ومن كبار أئمَّة التابعين، وكان إماما حجّة عالما، وقد كان يُناظر ابن عباس ويُراجعه، وله أحاديث كثيرة وفقه وفتوى، وقد روى عن أبيه وعثمان بن عفان وأبي هريرة وابن عباس وحسان بن ثابت، وأسامة بن زيد، وأبي أيوب، وعائشة، وأم سلمة، والمغيرة بن شعبة، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وجابر، وطائفة أخرى من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وروى عنه سالم أبو النضر، والزهري، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن أبي كثير، وخلق كثير، وقد قال الزهري: أربعة من قريش وجدتهم بحورا، سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله.
وقال أبي إسحاق: أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه، وكما قيل: إنه أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة، وقد أنجب أبو سلمة بن عبد الرحمن، الحسن والحسين وأبا بكر وعبد الجبار وعبد العزيز ونائلة وسالمة وأمهم أم الحسن بنت سعد بن الأصبغ بن عمرو الكلبية، وأم كلثوم الكبرى التي تزوجها بشر بن مروان وأم عبد الله وتماضر الصغرى وأسماء وأمهم بريهة بنت عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، وسلمة وتماضر الكبرى وعبد الملك وأم كلثوم الصغرى وعمر وأمهاتهم أمهات أولاد، وكان لما ولي سعيد بن العاص المدينة للخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في المرة الأولى استقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف على المدينة، ولكن لما عُزل سعيد بن العاص، وولي مروان المدينة المرة الثانية عزل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن القضاء.
تعليقات
إرسال تعليق