الدكرورى يكتب عن البكاء على الميت بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الدكرورى يكتب عن البكاء على الميت
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن الموت مصيبة لا مفر منها، وهي امتحان لنا جميعا، لنعمل الصالحات، ونحسن أعمالنا لننال جزاءنا، فيرضى الله سبحانه وتعالى عنا، وإن الموت حق على العباد، لا مفر منه ولا محيد، وإن أول المنازل التي ينزلها العبد بعد موته، وبعد خروج روحه ومفارقته للأهل الأحباب، هو القبر، فالقبر أول منازل الآخرة، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه" وإن عذاب القبر حق ووعد صدق، وإنه روضة من رياض الجنة للمؤمنين، أو حفرة من حفر النار للمجرمين.
والحزن والبكاء على فقد قريب أو عزيز أمر جائز، ولكنه هو البكاء الذى بلا صوت، وهو جائز اتفاقا، وقد فعله النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه رحمة، ففي الحديث المتفق عليه " أنه فاضت عيناه حينما رفع إليه ابن ابنته كأنه شن، فقال له سعد: يا رسول الله، ما هذا ؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " وكذلك الحال عند موت ابنه إبراهيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"
وأما المحرم فهو النوح والندب أو البكاء المقرون بهما أو بأحدهما، حيث يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
" إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه " متفق عليه، وقد قال النووي رحمه الله: وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء، أي البكاء الذي يعذب عليه، وهو البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين، فالميت إذا نيح عليه بالصوت المرتفع بالصياح، هذا جاء في الحديث أنه يعذب في الحديث الصحيح، عذاب الله أعلم بحقيقته، عذاب الله الذي يعلمه سبحانه وتعالى، وذلك يفيد أنه لا يجوز لأهل الميت أن ينوحوا عليه، أو أن يرفعوا الصوت بالنياحة عليه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية ويقول صلى الله عليه وسلم: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة.
والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها، وهذا كله لا يجوز، وقد رأى الجمهور أن الميت يعذب إذا أوصى أن يبكى عليه ويناح بعد موته، فعن بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الميت يعذب ببكاء أهله " متفق عليه، وقيل أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إنما مر على يهودية يبكي عليها أهلها فقال:" إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها " فقالت عائشة رضي الله عنها: تعذب بكفرها لا بسبب البكاء، فيجب علينا بالإقلاع عن البكاء مع النياحه أو الكلام الذى يغضب الله، وأن ندعو الله تعالى للميت بالمغفرة، ونتصدق عنه بصدقة جارية بقدر المستطاع، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم.
" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم، وقيل أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" هل بقي من بر أبوي شيء بعد موتهما ؟ فقال: " خصال أربعة: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما" رواه أحمد، وهذا هو ما ينفع الإنسان بعد موته، والدعاء للميت حيث يمكن للمسلم أن يدعو للأموات بكلّ الصّيغ التي تفيد الترحّم عليهم، أو الاستغفار لهم، وممّا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما روى عن واثلة بن الأسقع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال في الدعاء لميت:" اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فَقِه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه، فإنك أنت الغفور الرحيم "، رواه أحمد وأبو داود، وأيضا عن عوف بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في الصلاة على جنازة: " اللهم اغفر له، وارحمه، واعف عنه، وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبَرد، ونَقِّه من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِه فتنة القبر وعذاب النّار "، رواه مسلم، وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا.
وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده " وعن أبي هريرة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الصّلاة على جنازة، فقال:" اللهم أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرّها وعلانيتها، جئنا شفعاء له فاغفر له ذنبه "، رواه أحمد وأبو داود، وإن من الأمور الغيبية التي لا يجوز الخوض فيها بدون دليل صريح هو حال الميت في قبره والمسائل المتعلقة بذلك، وقد اختلف العلماء في مسألة أن الموتى يسمعون كلام الأحياء أم لا، فمنهم من قال بأنهم يسمعون كلام الأحياء، ومنهم من نفى ذلك، وقد استدل المثبتون بأدلة على ذلك.
ومنها: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عن الميت:" إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا " رواه البخارى ومسلم، وهناك أيضا حديث خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتلى بدر من المشركين بعد أن تركهم ثلاثة أيام ثم جاء إليهم ونادى عليهم وقال صلى الله عليه وسلم " يا أبا جهل بن هشام، يا أميّة بن خلف، فسمع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله، كيف يسمعوا وأنّى يجيبوا، وقد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده، ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر " رواه البخاري ومسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأمر بالسلام على أهل القبور فيقول:" قولوا السلام عليكم دار قوم مؤمنين.
وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " وأما الذين قالوا بسماع الموتى، فمنهم من قال بسماع الموتى مطلقاً، ومنهم قيد ذلك بقوله:" فهذه النصوص وأمثالها تبيّن أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائماً، بل قد يسمع في حالٍ دون حال، وهذا السمع سمع إدراك، ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله:" إنك لا تسمع الموتى " فإن المراد بذلك هنا هو سمع القبول والامتثال، وهذا اختيار الإمام ابن تيمية " ويقص رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أصحابه ما يحصل للعبد بعد وضعه في قبره، وانصراف الناس فيقول عليه الصلاة والسلام: " إذا قبر الميت أتاه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول المؤمن: ربي الله فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام،
فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، وأما الفاجر أو الكافر فإذا سأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضربانه بمطرقة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنس والجن، ولو سمعوها لصعقوا، فينادي مناد أن كذب عبدي فأفرشوا له من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال معذباً إلى أن تقوم الساعة".
تعليقات
إرسال تعليق