الدكرورى يكتب عن صلاة الغائب بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الدكرورى يكتب عن صلاة الغائب
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

لقد جاء الإسلام بقواعد راسخة، وثوابت عظيمة لن يضل عنها من آمن وتمسك بها، وكذلك فإن علم الغيب من العلوم التي تفرد بها الله سبحانه وتعالى، ومفاتح الغيب التي انفرد بها ربنا عز وجل لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولقد خلق الله تعالى الإنسان خليفة في الأرض ليعبده ويعمّر الأرض، ثم يقبض روحه ليحاسبه على ما قدّم وما تأخر من ذنب وعمل صالح، وبوفاته ينتهي وجوده من الحياة الدنيا دار الفناء، لينتقل إلى جوار ربه، فالموت حق، على كل إنسان وحيوان وكل كائن حي على سطح الأرض، وإذا مات الإنسان المسلم وجبت الصلاة عليه وهى صلاة الجنازه، وصلاة الجنازة فرض كفاية بالإجماع، كما قال النووي رحمه الله. 

وفرض كفاية كما قال عنه صاحب الموافقات: وهو متوجه إلى الجميع لكن إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، فليس بواجب عيني على من كان في المقبرة أن يصلي في الجنازة، غير أنه لا شك أن شهود الجنازة والصلاة عليه ودفنها فيه خير كثير وثواب عظيم، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شهد جنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين" وإلمقصود بصلاة الغائب هي صلاة الجنازة التي تصلى على من مات ببلد آخر، والصلاة أولا هى العبادة المخصوصة المبنية حدود أَوقاتها في الشريعة، وصلاة الغائب هي الصلاة على الميت الغائب إذا لم يصل عليه. 

وذلك من باب التأسي والاقتداء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وصلاة الغائب هي صلاة الجنازة لكن بوجود جثمان الميت في بلد آخر، والهدف منها هو الاستغفار للميت والدعاء له حتى بغياب جثمانه عن أهله، وتؤدّى هذه الصلاة عند وفاة أحد الأشخاص عند غيابه عن أهله في بلد غير بلده، وتعذّر نقل الجثمان إلى الموطن الأصلي، وكما ذكر المقصود بصلاة الغائب صلاة الجنازة التي تصلى على من مات ببلد آخر فيصطف المصلون صفوفاً كما هو الحال في صلاة الجنازة، ويصلي بهم أحد الناس إماماً وقد اختلف أهل العلم في صلاة الجنازة على الغائب، ومن أقوال العلماء في ذلك: هو رأي الإمام الشافعي والإمام أحمد، فقد ذهب الامام الشافعي والامام أحمد إلى أنها مشروعة. 

واستدلوا بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربعاً، ومعلوم أن النجاشي مات بأرض الحبشة، وأما عن رأي الحنفية والمالكية، فيري الحنفية والمالكية عدم مشروعية صلاة الغائب، وأجابوا عن قصة النجاشي بأن الصلاة عليه من خصوصيات، ومن الجائز أن يكون رُفع للنبي  الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سرير النجاشي فصلى عليه صلاته على الحاضر المشاهد، وقالوا: ويدل على ذلك أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يصلي على كل الغائبين، وتركه سنة، كما أن فعله سنة، ولا سبيل لأحد بعده أن يعاين سرير الميت من المسافة البعيدة. 

ويرفع له حتى يصلي عليه، فعلم أن ذلك مخصوص به، وقد ذهب الإمام أحمد في رواية نقلها شيخ الإسلام، إلى صلاة الغائب على من له فضل وسابقة على المسلمين، فقال: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ السعدي رحمه الله، والراجح أن صلاة الغائب مشروعة في حق من مات بأرض ليس فيها من يصلي عليه، أما من صلي عليه حيث مات فإنه لا يصلى عليه صلاة الغائب، وإلى هذا ذهب جمع من المحققين، منهم الخطابي والروياني وترجم بذلك أبو داود في السنن فقال: باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، حيث قال ابن القيم في زاد المعاد: وقال شيخ الإسلام ابن تيمية. 

أن الصواب أن الغائب إن مات ببلدٍ لم يصلَّ عليه فيه، صلي عليه صلاة الغائب، كما صلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صلي عليه حيث مات لم يصلَّ عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، وهذا القول رواية عن الامام أحمد، ويؤيد هذا أيضاً أنه قد مات في عهد الخلفاء الراشدين كثير ممن كانت لهم أياد على المسلمين ولم يُصَلَّ صلاة الغائب على أحد منهم، والأصل في العبادات التوقيف حتى يقوم الدليل على مشروعيتها، وأما عن شرطها، وقد اشترط جمهور الحنابلة والشافعية : على أن لا تكون في نفس البلد، وأما عن كيفيتها كصلاة الميت أو الجنازة الحاضر.

ومن المعلوم أن المقاصد الشرعية من الصلاة على الغائب هي الدعاء والاستغفار له كما روى أبو هريرة قال : نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، النجاشي لأصحابه، ثم قال : استغفروا له، رواه أحمد، وقال ابن القيم في زاد المعاد، ومقصود الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت، وصلاة الجنازة مثل ما فعل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هى أربع تكبيرات : وإما عن التكبيرة الأولى: فيكبر الإمام أو المصلى ثم يقرأ الفاتحة، وهى فاتحة الكتاب، وأما عن التكبيرة الثانية: فهى يكبر ويصلي على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهى الصلاة الإبراهيميه، كما جاء فى النصف الثانى من التشهد، وهو اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم. 

وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، فى العالمين إنك حميد مجيد، وأما عن التكبيرة الثالثة: فهى يكبر الثالثة، ويدعى للميت كما يريد، الشخص أو كما ورد عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ثم يدعو له، إن كان رجلا يقل : اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وإن كان عنده زوجة : وزوجا خيرا من زوجه، اللهم أدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، 

وافسح له في قبره، ونور له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده، واغفر لنا وله، والمرأة كذلك لكن يقول : اللهم اغفر لها وارحمها، وإن كانوا جماعة قال : اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأما عن التكبيرة الرابعة: وهى يكبر التكبيرة الرابعة ثم يقول " اللهم لا تحرمنا أجره ولا تَفتِنـّا بعده واغفر اللهم لنا وله" وينهي صلاته بالتسليم، ويسلم عن يمينه، والتسليم على الجنازة تسليمة واحدة، وهوعن ستة من أصحاب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم، وقد روي تسليمة واحدة عن علي، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وابن أبي أوفى، وواثلة بن الأسقع، وبه قال سعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل. 


والقاسم بن محمد، والحارث، وإبراهيم النخعي، والثوري، وابن عيينة، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق، وقال ابن المبارك: من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل،  واختار القاضي أن المستحب تسليمتان، وتسليمة واحدة تجزئ، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، قياسا على سائر الصلوات، ولنا، ما روى عطاء بن السائب: وهو " أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة " رواه الجوزجاني بإسناده، وأنه قول من سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعا، وقال أحمد: ليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم، والصيغة المستحبة لهذا التسليم هي: السلام عليكم ورحمة الله على جهة اليمين، ويجزئ قول: السلام عليكم فقط. والله تعالى أعلى وأعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد