الدكرورى يكتب عن الخليفه سليمان بن عبد الملك ( الجزء الثالث ) إعداد / محمـــد الدكـــــرورى
الدكرورى يكتب عن الخليفه سليمان بن عبد الملك ( الجزء الثالث )
إعداد / محمـــد الدكـــــرورى
نكمل الجزء الثالث ومع الخليفه سليمان بن عبد الملك وكان سليمان بن عبد الملك يتصف بالجمال وعظيم الخلقة والنضارة وكان طويلاً أبيض الوجه مقرون الحاجبين، وكان فصيحاً بليغاً معجباً بنفسه مفوهاً مؤثراً للعدل محباً للغزو، ويقال انه حج عام سبعه وتسعين من الهجره، فمر على المدينة المنورة والتقى بأبو حازم وقال له ألا تنصحني، فقال أبو حازم: إن آباؤك قهروا الناس بالسيف واخذوا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين فغشي عليه من هول ما سمع، وهو صاحب العفو والسماح جميل الخلق والخلقة، وكان أعظم حسنة فعلها أن ولى من بعده الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وكان الخليفه سليمان بن عبد الملك عهده مليئ بالإنجازات، فكان فى عهده.
هو عدله بين الناس الواضح في تعاملة وإطلاق اسم مفتاح الخير عليه من قبل العامة، وأيضا اختياره للخليفة عمر بن عبد العزيز لتولى الخلافة من بعده، ولم يكن متساهلآ في التعامل مع المخطئين ومن ثبت أنهم ارتكبوا بعض الأخطاء، وقد عزل محمد بن القاسم الثقفي وهو فاتح بلاد السند، وأُتي به مقيدا، حيث وضع في السجن وظل به إلى أن لقي ربه، ومن العجيب أن هذا البطل الذي قتله أهله وعشيرته حزن عليه أهل السند الذين فتح بلادهم لما رؤوا فيه من عدل وسماحة وحرية، وكذلك بموسى بن نصير حيث عاقبه في بادئ الأمر بعد فتح الأندلس، ثم لم يلبث أن عفا عنه، حتى إنه صاحبه في حجته سنة سبعه وتسعين من الهجره، وأما قتيبة بن مسلم الباهلي، فهو فاتح بلاد ما وراء النهر وهو من قادة الحجاج بن يوسف الثقفى .
فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلما ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقامه، لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه؛ لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة سته وتسعين من الهجره، وقيل أنه لم يتمرد ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين بالولاية، وقد توج سليمان بن عبد الملك أعماله بما يدل على حرصه على مصلحة المسلمين، فاختار عمر بن عبد العزيز قبل موته ليكون وليا للعهد ويخلفه من بعده، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أصدر أوامره بسحب القوات الإسلامية المحاصرة للقسطنطينية والعودة إلى الشام، والذى كان فى أثناء الحصار توفي الخليفة سلميان بن عبد الملك وهو مقيم بمرج دابق يتابع الأخبار عن الجيش.
وقد توفى في يوم الجمعة الموافق العاشر من شهر من صفر سنة تسعه وتسعين من الهجره، ويقول ابن كثير في البداية والنهاية، أن سليمان بن عبد الملك قد تعهد ألا يرجع إلى دمشق حتى تفتح أو يموت، فمات هناك فحصل له بهذه النية أجر الرباط في سبيل الله، ونعود إلى ولاية العهد من بعد الوليد بن عبد الملك، وقد قال ابن الأثير الجزري: فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فلما أتى خبر موته إلى عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنيه الوليد وسليمان فبايعوا وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وكان على المدينة هشام بن إسماعيل فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا إلا سعيد بن المسيب فإنه أبى وقال: لا أبايع وعبد الملك حي فضربه هشام ضربًا مبرحًا وطاف به وهو في تبان شعر حتى بلغ رأس الثنية التي يقتلون ويصلبون عندها ثم ردوه وحبسوه.
ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده، فقال: أوصيكم بتقوى الله تعالى فإنها عصمة باقية وجنة واقية، وهي أحصن كهف وأزين حلية، وليعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدور، والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف فبهما هلك الأولون، وذل ذوو العزة المعظمون، انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر وأثبت لكم الملك، وكونوا بني أم بررة وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحرارا وللمعروف منارا، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذوي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم وأشكر لما يسدى إليهم.
ثم أقبل على ابنه الوليد فقال: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك وتحن حنين الأمة، ولكن شمر وائتزر والبس جلدة نمر ودلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا، ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد، فقال: هل تدريان لم بعثت إليكما، قالا: نعم لترينا أثر عافية الله تعالى إياك، قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء، فقالا: لا، والله ما نرى أحدا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين، قال: أولى لكما، أما والله ولو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما، وتوفيَّ عبد الملك بن مروان بن الحكم في شهر شوال سنة سته وثمانين من الهجره، وقد ظل سليمان واليًا على فلسطين طوال فترة حكم الوليد بن عبد الملك.
وقد اتخذ الفقيه رجاء بن حيوة، الذي أشرف على بناء قبة الصخرة في القدس في عهد عبد الملك، مستشارًا له وكبيرًا لمساعديه، وقد قام سليمان بتعزيز العلاقات مع خصوم والي العراق حينئذٍ الحجاج بن يوسف، الذي استاء من نفوذه الكبير في عهد الوليد، وفي عام تسعه وثمانين من الهجره، قد لجأ إليه يزيد بن المهلب، الذي طرده الحجاج من ولاية خراسان، وعذَّبه، واستأصل موجوده، وسجنه، فاحتال يزيد بحسن تلطفه، وأرغب السجان واستماله، وهرب هو والسجان، وقصد الشام إلى سليمان بن عبد الملك، فلما وصل يزيد بن الملهب إلى سليمان بن عبد الملك أكرمه وأحسن إليه وأقام عنده، فكتب الحجاج إلى الوليد يعلمه أن يزيد هرب من السجن، وأنه عند سليمان، فكتب الوليد إلى سليمان بذلك.
فكتب سليمان: يا أمير المؤمنين، إني أجرت يزيد بن المهلب، لأنه مع أبيه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا، ولم أجر عدوًّا لأمير المؤمنين، وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهم كثيرة ظلمًا، ثم طلب منه بعدها مثل ما طلب أولا، فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فليفعل، فإنه أهل الفضل والكرم، فكتب إليه الوليد: إنه لا بد من إرسال يزيد مقيدا مغلولا، فلما ورد ذلك الكتاب على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده، ثم دعا بيزيد بن المهلب وقيده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة، وغلهما جميعًا، وحملهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، وقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فابدأ بقتل أيوب.
ثم اجعل يزيدًا ثانيًا، واجعلني إن شئت ثالثًا، والسلام، فلما دخل يزيد بن المهلب، وأيوب بن سليمان على الوليد في سلسلة واحدة، أطرق الوليد، استحيًاء، وقال: لقد أسأنا إلى أبي أيوب، إذ بلغنا به هذا المبلغ، فأخذ يزيد يتكلم ويحتج لنفسه، فقال له الوليد: ما يحتاج إلى الكلام، قد قبلنا عذرك، وعلمنا بحكم الحجاج، ثم استحضر حدادًا فأزال عنهما الحديد، وأحسن إليهما، ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم، ووصل يزيد بن المهلب بعشرين ألف درهم، وردهما إلى سليمان، وكتب كتابًا للحجاج مضمونه: لا سبيل لك على يزيد بن المهلب، فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم، فسار يزيد بن المهلب إلى سليمان، وأقام عنده في أعلى المراتب وأفضل المنازل، وكان لا تأتي يزيد بن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمان هدية إلا بعثها ليزيد، وظل يزيد مع سليمان لمدة تسعة أشهر حتى وفاة الحجاج بن يوسف الثقفى سنة خمسه وتسعين من الهجره.
تعليقات
إرسال تعليق