الصحابيه أم المؤمنين حفصه بنت عمر ( الجزء الثالث ) إعداد / محمـــد الدكـــرورى

الصحابيه أم المؤمنين حفصه بنت عمر ( الجزء الثالث )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث مع أم المؤمنين حفصه بنت عمر رضى الله عنهما، وكان إفشاء السر، هو ما جعل أبو بكر يفضل أن يغضب قليلا منه صاحبه عمر، على أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته ما خلق مشكلة كبرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته حفصة بعد ذلك، إلى الحد الذي نزل فيه وحيًا، وكانت حفصة رضي الله عنها، كغالب النساء، شديدة الغيرة على زوجها، صلى الله عليه وسلم، فحدث ذات يوم أن الرسول قد خلا بمارية القبطية في بيتها وفي يومها، فغضبت بشدة من ذلك، فحرمها رسول الله على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلبا بذلك رضا حفصة بنت عمر. 

لكنه طلب منها ألا تخبر بذلك أحدا، ويروي الطبري في تفسيره لآيات سورة التحريم ذاكرًا أن هناك عدة روايات حول ذلك، لكن كل ما ذكره الطبري يتفق في نهايته أن حفصة خرجت بعد ذلك لتخبر السيده عائشة بالبشرى، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرت إليها أن أبشري أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد حرّم عليه فتاته، فلما أخبرت بسر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أظهر الله عز وجل االنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله على رسوله لما تظاهرتا عليه القرآن الكريم 

من سورة التحريم، وفي تلك الحادثة، طلقت حفصة، حيث غضب الرسول صلى الله عليه وسلم لإفشائها سره، وكانت حفصة عندما طلقت ذهبت إلى أهلها، وهذا ومن المعروف أن من حقوق الزوجين في الإسلام أن يحفظ كل منهما سر الآخر ولا يفشيه، وليس هذا خاصا فقط بأمهات المؤمنين ونساء النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول الإمام محمد عبده في تفسير آية ( فالصاحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) وهو أن الغيب هنا هو ما يستحي من إظهاره، أي حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين فلا يطلع أحد منهن على شيء مما هو خاص بالزوج. 

وكان ذلك وحيًا أيضًا، بعد أن طلق النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،أم المؤمنين السيده حفصة، حزن عمر حزنًا شديدًا، وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد هذا، فنزل جبريل في اليوم التالي على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا إن الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة، وروى رواة الخبر، وعلى رأسهم ابن حجر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد طلق حفصة تطليقة واحدة، ثم ارتجعها رحمة بعمر الذي حثا التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريلُ من الغد على رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر، أو قال كما ترويه رواية أخرى: أرجع حفصة، فإنها صوَّامة قوَّامة، وإنها زوجتك في الجنة، وقال صاحب الإصابة: دخل عمر على ابنته وهي تبكي، فقال: لعل رسول الله طلَّقك؟ إنه كان طلَّقك مرة ثم راجعك من أجلي، فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا، وخرج عمر إلى المسجد قلقا، فلقي المسلمين هناك ينكتون الحصى مطرقين، ويقولون: طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نساءه، قصد عمر إلى الخزانة التي يقيم بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وغلامه رباح قائم على عتبتها. 

فاستأذن عمر في الدخول على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكرر النداء، ورباح لا يجيب، عندها رفع عمر صوته في أسًى وضراعة: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظنه ظنَّ أني جئته من أجل حفصة، والله لئن أمرني بضرب عنقها لأضربنَّ عنقها، وبلغ صوته فسمع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،، فرقَّ وأذن له، فلما دخل عمر أجال بصره في الخزانة وبكى، قال رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم،" ما يبكيك يا بن الخطاب؟" فأشار عمر إلى الحصير الذي كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مضطجعًا عليه. 

وقد أثَّر في جنبه، وإلى قبضة من الشعير، ومثلها من قرظ، كانا كل ما في الخزانة من طعام، ثم كفكف عبرته وقال: يا رسول الله، ما يشق عليك من أمر النساء؟ إن كنت طلقتهن، فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقد رد رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم، على عمر طمأنينته بابتسامة رقيقة، فما طلق الرسول نساءه، ولكن هجرهن شهرًا، كاد قلب عمر يثب من صدره فرحة وابتهاجا، واستأذن رسولَ الله أن ينزل إلى المسجد ليعلنها جهرة بصوته الندي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يطلِّق نساءه، وأقبل رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم،بعده .

فتلا قول الله عز وجل من سورة التحريم، وقد حظيت السيده حفصة بنت عمر الخطاب رضي الله عنها بالشرف الرفيع الذي حظيت به سابقتها عائشة بنت أبي بكر الصديق، وتبوأت المنزلة الكريمة من بين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وتدخل حفصة بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهى ثالثة الزوجات في بيوتاته صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت بعد السيده سوده وبعد السيده عائشة، أما السيده سوده فرحبت بها راضية، وأما السيده عائشة فحارت ماذا تصنع مع هذه الزوجة الشابة، وهي من هي، بنت الفاروق عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام قديما، وملئت قلوب المشركين منه ذعرا. 

وقد سكتت عائشة أمام هذا الزواج المفاجئ وهي التي كانت تضيق بيوم ضرتها السيده سوده، التي ما اكترثت لها كثيرا، فكيف يكون الحال معها حين تقتطع السيده حفصة، من أيامها مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثلثها؟ وتتضاءل غيرة عائشة من حفصة لما رأت توافد زوجات أخريات على بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، وهن زينب، وأم سلمة، وزينب الأخرى، وجويرية، وصفية، وإنه لم يسعها إلا أن تصافيها الود، وتُـسر حفصة لود ضرتها عائشة، وينعمها ذلك الصفاء النادر بين الضرائر؟ وبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لزمت حفصة بنت عمر بيتها، ولم تخرج منه. 

ولم يرد ذكرها سوى في حدثين هامين، الأول بعد حروب الردة، وما أصاب المسلمين من فقد الكثير من حفظة القرآن، وقد قرر أبو بكر جمع القرآن بمشورة من صاحبه عمر بن الخطاب، فأمر زيد بن ثابت بجمعه في مصحف واحد ظل عند أبي بكر حتى وفاته، ثم صار عند عمر، وبعد وفاة عمر، صار هذا المصحف في حوزة أم المؤمنين السيده حفصة، ثم اختلف الناس في زمن عثمان بن عفان، لاختلاف القراءات حول أيها أصح، فأرسل عثمان إلى حفصة يطلب المصحف لينسخ منه عددا من النسخ، والثاني لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة إثر الفتنة التي ضربت المسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان

فقد همَّت حفصة بالخروج معها، إلا أن أخاها عبد الله بن عمر حال بينها وبين الخروج، وكانت دار حفصة بنت عمر بن الخطاب، تقع هذه الدار جنوب المسجد النبوي، وعن عبد الله بن عمر بن حفص قال، مد عمر بن الخطاب جدار القبلة إلى الأساطين التي إليها المقصورة، ثم زاد عثمان بن عفان حتى بلغ جداره، ثم قال: فسمعت أبي يقول: لما احتيج إلى بيت حفصة قالت: فكيف بطريقي إلى المسجد، فقال لها: نعطيك أوسع من بيتك ونجعل لك طريقاً مثل طريقك فأعطاها دار عبد الله بن عمر، وكانت مربداً، وكانت حفصة بنت عمر بن الخطاب قد ابتاعت تلك الدار من أبي بكر الصديق. 

وبقيت في يدها إلى أن أراد عثمان بن عفان توسعة المسجد، فطلبت منها فأمتنعت قائلة: كيف بطريقي إلى المسجد، فقال لها عثمان: نعطيك دارا، أوسع منها ونجعل لك طريقاً مثلها، فسلمت ورضيت، وقدعُرفت السيدة حفصة رضي الله عنها بالصيام والقيام، وعُرفت بالعلم ونقل الأحاديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد روت عنه ستين حديثا وقد اتفق الشيخان على أربعة منهم، وتوفيت السيده حفصة في شعبان فى العام واحد وأربعين من الهجره بالمدينة في أول خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة في ذلك الحين. 

ودفنت في البقيع، ونزل في قبرها أخواها عبد الله وعاصم، وقيل ماتت أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وقيل: توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ عامل على المدينة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد