مَنْ أنا ؟ بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

مَنْ أنا ؟ 

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

  لقد خلوتُ بنفسي - وكثيراً ما أفعلُ - ، وجعلتُ أتساءلُ عن ذاتي ، تلك الذاتُ التي أعياني سبرُ غورها ، والوقوفُ عل حقيقةِ كنهها إذ مرةً تستقيمُ ، ومراتٍ تعوجُّ ، ومرةً تنتصرُ ، ومراتٍ تنكسرُ- لا لضعفها بل مراعاةً لضعفِ من تواجه ، وتواضعاً لبارئها بعدمِ الاستطالةِ على خلقه - ، ومرةً تهتدي ، ومراتٍ تتوه وترتدي ثيابَ الحيرةِ ، ومراتٍ تأمنُ ، وأخرى تخافُ ، وتارةً تقدمُ ، وتاراتٍ تحجمُ ... إلخ ، للهِ ما أعجبَ النفسَ البشريةَ ! وبعدَ محاولاتٍ كثيرةٍ في استنطاقها لمعرفةِ من أنا ؟ توصلتُ إلى ما يلي : 

1- أنا روحٌ تتلمسُ أنوارَ النفخةِ الإلهيةِ ، تلك النفخةُ التي كرّمنا اللهُ بها ، وفضّلنا على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلاً ، وتتبعُ إياها محاولةً التحليقَ في الملكوتِ الأعلى من ناحيةٍ ، والتخلصَ من قيودِ القبضةِ الطينيةِ التي تجعلها تخلدُ إلى الأرضِ من ناحيةٍ أخرى . 

2- أنا جسدٌ لا يعدو أن يكونَ مطيّةَ روحي للوصولِ إلى بارئها ، ولضعفه وخوره لا أجهده ولا أكلفه مالا يطيقُ حتى لا أكونُ منبتّاً ، فيصدقُ عليَّ قولُ رسولنا - ﷺ - : " إنَّ المنبتَّ لا أرضاً قطعَ ، ولا ظهراً أبقى " رواه الميداني في مجمعِ الأمثالِ .

3- أنا عقلٌ مُفكّرٌ أستضيئُ بنورِ الوحيينِ - الكتابِ والسنةِ - أقتبسُ منهما ، إذ منهما المنطلقُ ، وإليهما المردُّ ، وهما سلاحي الذي إن تمسكتُ به لن أضلَ ، وهما الواحةُ والراحةُ ، بهما تستريحُ النفسُ ، وينشرحُ الصدرُ . 

4- أنا فكرٌ مستقلٌّ ، لا أنتمي إلى أيِّ أحزابٍ سياسيةٍ ، أو تياراتٍ فكريةٍ ، أو جماعاتٍ دينيةٍ ، فأنا مسلمٌ أرتضي تسميةَ ربنا لنا " هو سمّاكم المسلمينَ من قبلَ " سورة الحج آية- 78 ، ولا أرتضي بها بديلاً ، ولا أبغي عنها تحويلاً ، وأرفضُ ما دونها من تسمياتٍ ، وأرجو أن أكونَ من الفرقةِ الناجيةِ التي عيّنها - ﷺ - بقوله : " ما أنا عليه وأصحابي اليومَ " رواه الترمذي . 

5- أنا نفسٌ توّاقةٌ - كما قالَ الخليفةُ الراشدُ عمرُ بن عبدِ العزيزِ - ، وما حقّقتَ شيئاً إلا تاقتْ لما هو أعلى منه ، همّتي عاليةٌ ، وعزيمتي فتيّةٌ ، لا أرضى بالدونيّةِ ، أو التبعيّةِ . 

6- أنا نفسٌ تحبُّ التواضعَ والمتواضعينَ ، وتبغضُ الكِبرَ والمتكبرينَ ، أنظرُ إلى أبسطِ الخلقِ معتقداً بأنه أفضلُ منّي ، ولكنّي أغضبُ إذا ما انتقصَ أحدٌ قدري ، أو وضعني في منزلةٍ غيرِ التي أنزلني اللهُ إياها . 

7- أنا نفسٌ لوّامةٌ تلومني على التفريطِ في جنبِ الله ، والابتعادِ عن منهجه ، تحمدُ اللهَ على أن لم تكن أمّارةً بالسوءِ ، وترجوه أن يجعلها من النفوسِ المطمئنةِ التي تسكنها السكينةُ ، ويزيّنها الخشوعُ ، ويرفعها الخضوعُ . 

8- أنا باحثٌ ضالتي الحكمةُ أبحثُ عنها أينما كانت ، ولا أبالي بأيَّ فمٍ قيلتْ ، ولا بيدِ أي كافرٍ نُقلتْ ، ورائدي الدليلُ أدورُ معه أنَّى دارَ ، أحاولُ قدرَ الإمكانِ أن أجمعَ بينَ العلمِ والعملِ ، بينَ التنظيرِ والتطبيقِ . 

هذه هي بعضُ الأمورِ التي نطقتْ بها نفسي عندما أستنطقتها ، وبعضُ الإجاباتِ التي وافتني بها عندما سألتها ، وإن كان ذلك لا يشفي غليلاً ، أو يروي ظمأً إلا أنَّ وجودَ بعضِ الشيئِ أفضلُ من انعدامه بالكليّةِ ، ولعلَّها مع مرورِ الأيامِ تجودُ علينا بما ضنَّتْ ، وتعلمنا بما جهلناه ، وتوقفنا على سلبياتنا فنحوّلها إلى إيجابياتٍ ؛ لنحظى برضا ربِّ الأرضِ والسماواتِ .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد