نحنُ والصحابة - رضي الله عنهم - . بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

نحنُ والصحابة - رضي الله عنهم - .

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
 
 إن لصحابة رسول الله - ﷺ - قدراً عظيماً لا يرقى إلى عظمه قدرٌ ، ومكانةً ساميةً لا تدانيها في السموِّ مكانةٌ ؛  لأن رتبةَ الصحبةِ لا تعدلها رتبة ، ومنزلةَ القربِ من رسول  اللهِ - ﷺ -  لا تصلُ إليها منزلةٌ ، وما ذلك إلا لصدق إيمانهم ، وطهارةِ أرواحهم ، وصفاءِ نفوسهم الأمرُ  الذي جعل البونَ بينهم وبيننا  شاسعاً لأمورٍ ، منها : 
1- أن كونهم صحابةً لم يكن باختيارهم ، بل باختيارِ اللهِ لهم ، واصطفائه إياهم ؛ لأن قلوبهم - كما قال ابن مسعود - خير قلوب العباد إذ جاء عنه ما نصه : " إن الله نظر في قلوبِ العبادِ ، فوجد قلبَ محمدٍ - ﷺ -   خيرَ قلوبِ العبادِ ، فاصطفاه وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوبِ العبادِ بعد قلبِ محمدٍ ، فوجد قلوبَ أصحابه خيرَ قلوبِ العبادِ ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون عن دينه " . 
2- أنهم شهدوا وغبنا ، واستيقنوا واستربنا ، شهدوا اتصالَ السماءِ بالأرضِ بين يديه ، ونزولَ الوحي عليه ، واستيقنوا فما خالجهم شكٌ ، ولا ساورهم ريبٌ في صدق رسولِ الله - ﷺ - ، فهاهو أبو بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - عندما قال له المشركون : هل لك في في صاحبك ؟ يزعمُ أنه أُسري به في الليلِ إلى بيتِ المقدس ، قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدّقه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدس ، وجاء قبل أن يصبحَ ؟ قال : نعم ، إني لأصدّقه بما هو أبعد من ذلك : أصدّقه بخبرِ السماءِ في غدوةٍ أو روحةٍ ... " . 
3- أنهم خيرُ القرون ِ بشهادة رسول الله - ﷺ -  حيث قال : " خيرُ القرونِ القرن الذي بُعثتُ فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... "  وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - واصفاً إياهم : " ... أولئك أصحابُ محمدٍ أبرُّ هذه الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه ، وإقامةِ دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم " ، سمعوا الله في قرآنه ، فحفظوه ، وترجموه واقعاً عملياً ، فكان أحدهم لا يتجاوز آيةً إلى أخرى حتى يحفظها ويُطبّق ما فيها  . أما نحن فعلقّناه في البيوتِ والسياراتِ للتبركِ تارةً ، وللاستشفاءِ تارةً أخرى ، كما تتلمذوا على يدِ نبيهم مقتبسين من نورِ النبوة لم تخالطهم الشكوكُ ، أو تعكّرُ صفوَ عقيدتهم الشبهاتُ ، ولِمَ لا ؟ ونبي الله- ﷺ -   بين أظهرهم يفصّلُ لهم ما أُجمل ، ويبين لهم ما اُستشكل . 
4- أنهم بلغوا في حب رسول الله ما لم نبلغه نحن ، ولن نبلغه فلقد كان - ﷺ -  أحبَّ إليهم من نفوسهم ، يقاتلون بين يديه ، ويفتدونه بأرواحهم ، ويسترخصون الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ عليه ، وليس أدلُّ على ذلك من من موقف خبيب بن عدي  - رضي الله عنه - عندما بدأ المشركون يمثّلون به وهو حيُّ ، ويقطعون من جسده القطعةَ تلوَ القطعة ، وهم يقولون له : أتحبُّ أن يكون محمدٌ مكانك وأنت ناجٍ ؟ فيقول - رضي الله عنه - : والله ما أحبُ أن أكونَ آمناً وادعاً في أهلي وولدي ، وأن محمداً يُوخزُ بشوكةٍ ..."  . 
5- أن قلوبهم كانت صافيةً ، ونفوسهم عزيزةً ، رؤوسهم مرفوعةٌ ، وهاماتهم تطاولُ العلياءَ عزّاً وشموخاً ، فما داروا ولا داهنوا ، ولا أرضوا الناسَ بسخطِ الله ، وما تقرّبوا إلى أعدائهم زلفى على حسابِ دينهم ، أو التخلي عن ثوابته بخلافنا نحن الذين اعترت قلوبنا الأدواءُ ، وانتابها كثرةُ الإعياءِ فترانا نسارعُ في الكفارِ والمشركين خوفاً منهم مقدّمين لهم فروضَ الولاءِ والطاعةِ ، قال تعالى : { فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللهُ أن يأتيَ بالفتحِ أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين } سورة المائدة  آية - 52 ؛ وما ذاك إلا لضعفِ إيماننا بربنا وقلةِ ثقتنا به . 
6- أنهم باعوا دنياهم بدينهم الذي أغلوه ، وتركوا الأوطان ، وفارقوا الأهل والخلّان لينشروه ، الأمرُ الذي ترتب عليه إخراجُ الناس من ظلماتِ الشركِ إلى نورِ الإيمان ، ومن أدرانِ الإلحادِ إلى صفاءِ التوحيدِ والإيقان ،  أما نحن فبعنا ديننا بعرضٍ من الدنيا قليل ، وما قدّمنا له شيئاً ؛ لأننا ورثناه والوارثُ مُضيّعُ ، وما للمحافظةِ على ما ورث من سبيل . 
7- أن عيونهم اكتحلت برؤية النبي - ﷺ - ، و سعدوا بملاقاته ، وكفاهم ذلك فخراً وشرفاً ، وإذا كانت رؤيةُ الصالحين تبعثُ في النفسِ الطمأنينة ، وتزيدُ اليقين ، فكيف برؤيةِ إمامِ المرسلين ، وقدوةِ المتحققين ، ورحمةِ اللهِ للعالمين - بأبي هو وأمي - . 
8- أنهم كانوا أمثلَ خلقِ الله لله ، وأطوعهم لرسولِ الله عزائمهم في الطاعة فتيّة ، وهمتهم في العملِ بما يرضي اللهَ ورسوله- ﷺ -   قوية ، رضوا من الدنيا بما يبلّغهم إلى الآخرة ، تللك الدارُ التي لم يرضوا بها بديلاً ، ولم يبغوا عنها تحويلاً ، أما نحن فغرتنا دنيانا ، وأسلمنا زمامَ أمورنا لهوانا ، وغرّنا بالله الغرورُ . 

       هؤلاء هم صحابةُ رسول الله -ﷺ -  فاعرفوا لهم حقهم ، وكفّوا عما شجر بينهم ، ولا تتخذوهم غرضاً تنتقصون أقدارهم، واتقوا اللهَ فيهم ولا تسبّوهم  كما وصاكم نبيكم - ﷺ -  بقوله : " لا تسبّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " ، ومن آذاهم فقد آذاه- ﷺ - ، ومن آذاه فقد آذى الله ، ومن آذى اللهَ فيوشكُ أن يأخذه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد