الصداقه فى الإسلام بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الصداقه فى الإسلام
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
إن الصداقة هي الأخوة في الله ، وإنه لم يذق طعم الحياة من لم يكن له صديق وفيّ يطمئن إليه ويسكن إليه ، وإن الصداقه من أهم العلاقات الموجودة في حياة الإنسان، والتي يتعامل معها البعض بشكل يومي وأساسيٍ ، فبالإضافة للعلاقات المهمة الأخرى كالعلاقة بين الأزواج التي يمكن أن تكون مبنيةً على الصداقة، وتوجد صداقات أخرى مهمة مثل الصداقة في العمل والصداقه فى الدراسه والصداقه فى السفر وغير ذلك من الصداقات .
وإن وجود علاقة صداقة في حياة الشخص يزيد من فرص كونه سعيدا في الحياة، وتعتبر الصداقة جزء مهما في حياة معظم الناس ، وقد يرتبط الأصدقاء معا بأمور مشتركة تجعل من الأوقات التي يقضونها معا أكثرَ متعة ، بالإضافة إلى ذلك تعتبر الصداقات التي تجمع فيما بينها تاريخا مشتركا من أكثر الصداقات التي يمكن أن تستمر لأطول فترة ممكنة ، إذ تعتبر هذه النقطة مادة اللصق التي تحافظ على صداقة أقوى .
وقد قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني إياك وصاحب السوء، فإنه كالسيف المسلول، يعجبك منظره، ويَقبح أثره، يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة .
وإن أفضل صديق هو من يحفظ السر فلا يبوح به، ومن يسدي لك النصح دون مقابل، وهو الذي إن أخطأ اعترف واعتذر، وإن أساء صديقه صفح عنه وسامحه، وهو الصديق الذي لا يتغير بالزمان ولا يتحول بالمغريات، فهو السعادة عند التعاسة، والأمن عن القلق، والراحة عند التعب، إنه صادق الوعد الذي لا يخذل، وهو وفيّ لا يخون، إنه طيب القلب وحسن السمعة، والصديق الحقيقي يتحلّى بمكارم الأخلاق، وصالح الأفعال وصدق الأقوال، وهو من يكتم عيب صديقه، ويصونه في غيبته .
ويذكره بأحسن الأوصاف، ويُسر لسروره، وإن الصديق الصالح هو الذي يقود صاحبه إلى النجاة في الدنيا والآخرة ، إذ يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " المرءُ على دينِ خليلِه فلْينظرْ أحدُكم من يخاللُ " حتى إنّ الله ضرب لنا أروع الأمثلة في صحبة أبي بكر الصديق للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فالصديق يصدق صاحبه ولا يكذّبه، وينصره في الظروف الصعبة، وإن كان مغلوبا.
ومن الحقوق هو أن تسأل عن صديقك، وأن تبحث عن أحواله، وأن تؤدي له مهامه، دون أن يطلب منك، أن تكون له كالمرآة التي يرى نفسه فيها، وهذا المعنى أخبرنا به الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن مرآة أخيه، المؤمن أخو المؤمن يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه“. رواه أبو داود .
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه : عليك بإخوان الصدق ، تعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء ، وضع أمر أخيك على أحسنه ، حتى يجيئك ما يغلبك منه ، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين من القوم ، ولا أمين إلا من خشي الله عز وجل ، فلا تصاحب الفاجر فتتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على أسرارك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى .
وإن من حقوق الصديق أن تنصره وأن تكون معه، فعن جابر بن عبدالله وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين ، أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا“، قيل: كيف ننصره ظالمًا؟ قال: “تمنعه عن ظلمه“، فيجب عليك أن تمنعه عن ظلمه لنفسه، وأن تمنعه عن ظلمه لأولاده، وأن تمنعه عن ظلمه لمن يعمل تحت يده، وأن تمنعه من ظلمه لغيره، فهذه هي الأخوة أن تأمره بالمعروف، وأن تنهاه عن المنكر حينها تكون صديقا وفيّا حقا.
وفى الصداقه قد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين أقطع طلحة بن عبيد الله أرضا وكتب له بها كتابا وأشهد فيه ناسا منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فأتى طلحة بكتابه إلى عمر ليختمه له، فامتنع عمر، فرجع طلحة إلى أبي بكر مغضبا وقال: والله ما أدري أأنت الخليفة أم عمر ؟ فقال أبو بكر: بل عمر لكنّه أنا .
ومن حقوق الصداقة هو عدم التكلف، والتكلف معناه أن تبذل فوق طاقتك سواء الأخلاقية أو المجاملات أو المالية أو الطبعية، أن تبذل فوق طاقتك، فوق طبيعتك لترضي صديقك، فمن كان حالهما أنهما يتجشمان لبعضهما في المجاملات، وكل يحسب حساب الثاني فيما يتخالفان فيه، فهذان لم يذوقا للصداقة طعما، ولم يعرفا الصداقة حق المعرفة.
وقد تعجب عمر بن الخطاب رضى الله عنه من مسأله ، فسأل عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ، فقال له: يا علي إني أسألك عن أشياء، فلعلك حضرت مع رسول الله وغبنا، ولعلنا شهدنا وغبت، قال عم؟ قال: “الرجل يحب الرجل لا يعرفه ولن يجد منه شيئا، ولم يعمل له شيئا، والرجل يبغض الرجل لا يعرفه ولم يجد منه شيئا، فما ذاك؟” قال: نعم، إن الأرواح لتطاير في الهواء فتشام بعضها بعضا ، لها رائحة ، فما زكت مع بعضهما تعارفا وءاتلفا، وما لم يزكو مع خبثت مع بعضهما تناثرت وتناكرت“.
وعن عمرة بنت عبدالرحمن وكانت من طالبات العلم عند السيده عائشة رضي الله عنها، قالت: “سافرت امرأة من مكة إلى المدينة مزاحة”، كانت معروفة في مكة أنها خفيفة الدم، تحب المزح كثيرا، “ فجاءت إلى المدينة فوقعت على امرأة مثلها مزاحة، قالت: فقلت لعائشة، ألا تتعجبين من فلانة جاءت من مكة فوقعت مع فلانة؟”، اجتمع هذا وهذا، قالت: “صدق حِبي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم “ الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها اتلف وما تناكر منها اختلف“.
وقال الغزالي رحمه الله : “ إياك أن تصحب واحدا من خمسة، لا تصحب الكذاب ، فإنه يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب، ولا تزد منه خيرا قط، ولا تصحب الأحمق ، فإنك لست منه على شيء، يريد أن ينفعك فيضرك، ولا تصاحب البخيل ، فإنه يتركك وأنت في أشد الحاجة له، ولا تصاحب الجبان فإنه يسلمك ويفر عنك، ولا تصاحب الفاسق فإنه يبيعك بأقل أكلة وأقل من أقل ذلك”، قلت: ولا تصاحب الفاسق ، فإنه يضر دينك، ودينك هو رأس مالك.
وإن الاحتفاظ بالصديق واجب مشترك بين الأصدقاء ، فحفظ الود والصداقة يبدأ بتقبل الآراء والاختلافات فلا خلاف يفسد الصداقة، وبتقبل نصح الصديق دون حساسية ، ذلك لأنك تثق به وبحبه للخير لك منذ اختياره ليكون صديقا، فالصديق مرآة صديقه يدلّه على عيوبه ليتفاداها وعلى الخير فيه ليطوّره، والصداقة تقتضي المصارحة لاستمرارها .
كما أن الصداقة لا تعني فحش القول وتوجيه الشتائم للصديق للدلالة على متانتها، بل علينا أن نحسن القول دوما وألا نذكر أصدقاءنا إلا بما يحبّون من ألقاب، فلنحسن اختيار أصدقائنا ليكونوا لنا عونا عند الحاجة وشفعاء في الآخرة ، وكذلك أيضا لا تصاحب ولا تجالس ولا تستضيف في بيتك إلا المؤمن التقي .
تعليقات
إرسال تعليق