من هنا ندركُ ..📰. بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
من هنا ندركُ ...
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ اللهَ - سبحانه وتعالى - ليتجلى في شهرَ رمضان بصفاتِ الجمالِ تلك الصفاتُ التي تبعثُ في القلبِ محبته ، والرغبةَ فيما عنده من مثلِ الرحمةِ ، والمغفرةِ ، والرأفةِ ، والعفوِ ، والكرمِ ، ... إلخ هذه الصفاتِ التي نستشعرُ آثارها ، ونلمسُ معطياتها ومقتضياتها واقعاً عملياً في علاقةٍ تكامليةٍ بين الخالقِ من ناحيةٍ ، والمخلوقِ من ناحيةٍ أخرى ، فاللهُ - عزَّ وجلَّ - يرحمُ ، وبرحمته يتراحمُ الخلقُ ، فتجد برِّاً وتكافلاً ، وإحساساً بالآخرين ، وصلةَ رحم ... ، واللهُ - تباركَ وتعالى - يعفو ، وبعفوه يعفو الناسُ بعضهم عن بعضِ ، ويقيلون العثراتِ ، ويتغاضون عن الهفواتِ والزلاتِ ، والله - جلَّ وعلا - يجودُ ويعطي فخزائنه ملأى ، وعطاؤه لا ينفدُ ، والخلقُ يتصدّقون ابتغاءَ مرضاته ، وطمعاً فيما عنده ؛ لأنه يثيبُهم على القليلِ بالكثير ، ويخلفُ عليهم ما ينفقون . فرمضانُ موسمُ النفحاتِ ، وزمانُ تنزّلِ الرحماتِ ، وتوالي البركاتِ ، فيه يكونُ اتصالُ السماءِ بالأرضِ أتمَّ ما يكونُ الاتصالُ فينزلُ جبريلُ - عليه السلامُ - في ليلةِ القدرِ في كبكبكةٍ من الملائكةِ يصلّون ويسلّمون على كلِ عبدٍ قائمٍ ، أو قاعدٍ يذكرُ اللهَ - تعالى - ؛ لذا كانت لرمضانَ خصوصيةٌ ليست لغيره من الشهور ، ومزيّةٌ لم تتسن لسواه في سائرِ الأيامِ والدهورِ ، الأمرُ الذي يحتّمُ علينا أن ندركَ فيه أموراً ، من أهمها ما يلي :
1- أنَّ لرمضانَ حرمةً ينبغي أن تُراعى ، إذ فيه تُضاعفُ الحسناتُ والسيئاتُ ، ومضاعفةُ الحسناتِ - كما قال العلماءُ - بالكمِ والكيفِ ، والمرادُ بالكمِ العدد ، فالحسنةُ بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ ، والمرادُ بالكيفِ أنَّ ثوابها يعظمُ ويكثرُ . أما مضاعفةُ السيئاتِ فيكونُ بالكيفِ فقط ، أي أنَّ إثمها أعظمُ ، والعقابُ عليها أشدُّ ، أما من حيثُ الكمِ فالسيئةُ واحدةٌ ، ومن هنا ندركُ معنى قوله - ﷺ - : " وينادي منادٍ : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقصرْ" ، رواه الترمذي وابنُ ماجه .
2- أنَّ رمضانَ أولّه رحمةٌ ، وأوسطه مغفرةٌ ، وآخره عتقٌ من النيرانِ ، وهو موسمُ حطِّ الخطيئاتِ ، وتكفيرِ السيئاتِ ؛ لذا كان الخاسرُ من واتته الفرصةُ ، وأضاعها ، ومن هنا ندركُ قوله - ﷺ - : " رغم أنفُ رجلٍ دخلَ عليه رمضانُ ، ثم انسلخَ ولم يُغفرْ له " رواه مسلمُ .
3- أنَّ الصيامَ يقفُ حائلاً بينَ العبدِ ومعصيةِ اللهِ ، فالصيامُ يُضعفُ العبدَ ، ومن ضعفَ قلّت شهوته ، ومن قلّت شهوته قلّت معاصيه ، ومن هنا ندركُ معنى قوله - ﷺ - : " يا معشرَ الشبابِ من أستطاعَ منكم الباءةَ فليتزوجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ ، وأحصنُ للفرجِ ، ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ ، فإنَّه له وِجاءٌ " رواه الشيخان . ، وقوله - ﷺ - : " الصيامُ جُنّةٌ ..." رواه البخاري . أي وقايةٌ من النارِ فيكونُ بمثابةِ الدرعِ الذي يقي صاحبه من المعاصي في الدنيا ، ومن عذابِ النارِ في الآخرةِ ، وهذا معنى قوله - ﷺ - : " الصيامُ جُنّةٌ من النارِ كجُنّةِ أحدكم من القتالِ " رواه الإمامُ أحمدُ والنسائي .
4- أنَّ بالصيامِ تُحسنُ الخواتيمُ ، ويدخلُ صاحبه الجنةَ مع السابقين ، ومن هنا ندركُ معنى قوله - ﷺ - : " ومن صامَ يوماً ابتغاءَ وجهِ اللهِ خُتمَ له به دخلَ الجنةَ ..." رواه الإمامُ أحمدُ .
5- أنَّ رحمةَ اللهِ تتجلّى في رمضانَ أيّما يكونُ التجلّي ، فيخفّفُ اللهُ - عزَّ وجلَّ - وطأةَ الشياطينِ على عباده ، وييسّرُ لهم أسبابَ دخولِ الجنانِ ، والنجاةِ من النيرانِ ، ومن هنا ندركُ معنى قوله - ﷺ - :" إذا جاءَ رمضانُ فُتّحت أبوابُ الجنةِ ، وغُلّقت أبوابُ النارِ ، وسُلسلت الشياطينُ " رواه الشيخان .
6- أنَّ من معاني اسم اللهِ " الصمد " الذي لا جوفَ له ، أي لا يحتاجُ إلى الطعامِ أو الشرابِ ، والمؤمنُ في صومه عن المفطراتِ يكونُ متشبّهاً به - سبحانه - ؛ لذا كان للصومِ خصوصيةٌ ليست لغيره من العبادات التي يحبها اللهُ ويرضاها ، إذ خصّه - عزَّ وجلَّ - بالنسبةِ إليه ، ومن هنا ندركُ معنى قوله - تعالى - : " كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامُ فإنَّه لي ، وأنا أجزي به ... " رواه الشيخان .
7- أنَّ رمضانَ بمثابةِ استراحةِ الحكاربِ للمؤمنِ الذي أنهكته الذنوبُ ، وفتّت في عضده المعاصي ، وأثنته عن سيره إلى اللهِ ، فيجدُ في رمضانَ واحته وراحته ، فيلقي بعصا ترحاله تحتها ، ويأخذُ قسطاً من الراحةِ يعاونه على استئنافِ المسيرِ ، وقطعِ الطريقِ ؛ بُغيّةَ الوصولِ إلى اللهِ .
هذه جملةٌ من الأمورِ التي ينبغي علينا أن ندركها في رمضانَ للاسترشادِ بها ، والعملِ بما تقتضيه ؛ ليتسنى لنا اغتنامُ موسمِ الخيراتِ والبركات الإلهيةِ ، والتعرضِ للنفحاتِ الربانيةِ خاصةً ونحن مأمورون بالعملِ للآخرةِ كأننا نموتُ غداً ؛ لنلقى اللهَ - سبحانه وتعالى - ونحن مستعدون للدخولِ إليه ، والمثولِ بين يديه .
تعليقات
إرسال تعليق