حق الجوار في الإسلام بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

حق الجوار في الإسلام 
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

إن إكرام الجار، وطيب المعاملة له من شعب الإيمان، وسمات المؤمنين، وأن من لم يكرم جاره لم يتم إيمانه ، وأن كمال الإيمان الواجب لا يتم إلا بأن يحب المسلم لجاره ما يحب لنفسه من الخير ، وهو يستلزم كذلك أن يكره له ما يكره لنفسه من الشر ، وقد أكد ذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحب لنفسه " رواه مسلم.

وان الله جعل للجار حقوقا شرعية على جيرانه، فإذا قام بها المسلمون بينهم سادت روح الألفة والمحبة والتسامح، واكتملت في المجتمع المسلم صفاته المثالية التي تعلو المجتمع بصبغة إسلامية رائعة تميزه عن باقي المجتمعات ، فعن عائشة رضى الله عنها وابن عمر رضي الله عنهم جميعا عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: " ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " رواه البخاري.

وإن أقرب الناس إلى الإنسان، وأكثرهم ملابسة له، ومعرفة بأحواله بعد أهله وقرابته ، هم جيرانه ، بل لربما كان الجار في حالات كثيرة، أقرب إليهم، وأكثر إعانة لهم من القرابة والأصهار، فإن أهل البيت حين يفاجؤون بمشكلة، أو تحل بهم نازلة، ويحتاجون فيها إلى إغاثة عاجلة، فإنهم يهرعون مباشرة إلى جارهم، بحكم قربه منهم، وملاصقة داره لدارهم.

ومن هنا يتبين شدة حاجة الجار إلى جاره، وقوة تأثيره فيه، وعظم حقه عليه، وأن القيام بحقه من أوجب الواجبات، ومن أكبر أسباب التكافل والتعاون في هذه الحياة، لتذليل  عقباتها، وتخفيف مصاعبها، وأكبر أسباب الإعانة على البر والخير، والحماية من الإثم والشر ، فيقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره " رواه البخاري .

وان الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب للتفاضل بين الناس، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره "رواه الترمذي ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه ذبح شاة، فقال: "هل أهديتم منها لجارنا اليهودي"، ثلاث مرات، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه "رواه أبو داود والترمذى .

وأن الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب لمغفرة الذنوب، وأن إساءة الجوار من عادات الجاهلية التي بعث الله نبيه لتغييرها ، وإن للجوار أهمية عظيمه في الإسلام، وذلك لأنه هو وصية الله عز وجل ورسولِه، فقد أمر الله بالإحسان إلى الجار في كتابه الكريم ، ويقول الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره " رواه البخارى .

والجار هو كل من جاورك سواء كان جواره لك في مسكن أو دكان أو عمل أو غيرها، واعلموا أن الجيران ثلاثة ، وهم جار مسلم قريب، فهذا له ثلاثة حقوق ، وهم حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار ، وجار مسلم ليس بقريب، فهذا له حقان ، وهم حق الإسلام، وحق الجوار ، وجار كافر، أبقت له الشريعة حق الجوار.

ولقد وضع الإسلام نظاما فريدا للاجتماع، لحمته التراحم والتعاطف، وسداه التكافل والتكاتف، ومبناه على التعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، وقيام كل مسلم بما يجب عليه تجاه من يعامله أويصل إليه ، وقد عظم الله عز وجل حق المسلم على المسلم، وحق القريب على قريبه، وحق الجار على جاره.

وأن الإحسان إلى الجار والقيام بحقه سبب للثناء والمدح في الدنيا، وعكسه موجب للذم والعقوبة ، وأن الجار الصالح من أسباب سعادة العبد، وعكسه من أسباب شقائه، فعن سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من السعادة المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق" رواه الألباني .

فيجب على الجار كف الأذى عنه، وهذا الحق واجب على المسلمين، فلا يجوز لهم بحال إيذاء أحد من الناس ما دام مسالما ، ومن صور إيذاء الجار ، هو حسده وتمني زوال النعمة عنه، أو السخرية به واحتقاره، أو إشاعة أخباره وأسراره بين الناس، أو الكذب عليه وتنفير الناس منه، أو تتبّع عثراته والفرح بزلاته، أو مضايقته في المسكن أو موقف السيارة، أو إلقاء الأذى عند بابه . 

أو التطلّع إلى عوراته ومحارمه، أو إزعاجه بالصراخ والأصوات المنكرة، أو إيذائه في أبنائه. وأما من ابتلي بجار يؤذيه فعليه بالصبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن " قيل: من يا رسول الله؟ قال: " الذي لا يأمن جاره بوائقه " رواه البخارى ومسلم .

وإن من حقوق الجار أيضا ، هو الإهداء إليه وبذل المعروف، فكم من هدية أوقعت في قلب المهدى إليه أثرا عظيما، فهي تقرب النفوس وتزيل الأحقاد وتبرهن على صدق المودة وعظيم المحبة ، وإن الهدية ليست فقط للجار الفقير المحتاج، بل الهدية أشمل من هذا، فقد أهدي للنبي مع أنه لو أراد المزيد من الرزق لدعا الله فأعطاه ما شاء من متاع الدنيا، بل كان يهدي للناس ويقبل الهدية، حتى إنه ليستغني بها هو وأزواجه أياما طويلة، بل أشهرا عديدة .

إن القيام بحقوق الجار هى من أهم أسباب السعادة للفرد والمجتمع ، فإن الناس في هذه الدنيا ممتحنون، والمصائب تحيط بهم من كل جانب ، والإنسان بمفرده أضعف من أن يصمد طويلا أمام هذه الشدائد، ولئن صمد، فإنه يعاني من المشقة والجهد ما كان في غنى عنه لو أن إخوانه التفتوا إليه، وحدبوا عليه، وهرعوا لنجدته، وأعانوه في مشكلته، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه وجيرانه وأهله.

ولكن أين حق الجار فى هذه الأيام ، فإن هذا الحق العظيم قد أهمله كثير من الناس اليوم، وانشغلوا عنه بخصوصياتهم وحب ذواتهم، وقعدوا عن القيام به بسبب أثرتهم وأنانيتهم، ولم يرعوه حق رعايته بسبب جهلهم وضعف إيمانهم، وتربع الدنيا على قلوبهم، فأصبحوا لا يعيشون إلا لأنفسهم، ولا يهمهم إلا مصالحهم، غير مكترثين بما يجب عليهم تجاه إخوانهم وجيرانهم . 

فماتت فيهم عواطف الأخوة والمحبة، وخفتت في نفوسهم أخلاق السماحة والنجدة، وخلت قلوبهم من المعاني الإنسانية الجميلة، وربما حملهم حب الدنيا والمنافسة على حطامها على إيذاء جيرانهم وظلمهم، والاعتداء على مصالحهم، وغمطهم حقوقهم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال صلى الله عليه وسلم : " لا خير فيها، هي في النار ".


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله ، فأخذ بيدي فعد خمسا، وقال: " اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " رواه الترمذي .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد