أثرُ الصيامِ على النفسِ ... بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

أثرُ الصيامِ على النفسِ   ...

بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي

من المعلومِ لدينا أنَّ الإنسانَ مخلوقٌ من طينٍ بيْد أنَّ به نفخةً إلهيةً من روحِ الله ، تلك النفخةُ المُشارُ إليها بقوله تعالى : { ونفختُ فيه من روحي ...} سورة الحجر  آية - 29 ولكلٍ من الطينِ والنفخةِ الإلهيةِ أثرٌ عليه ، فإذا ما غلب عليه الأصلُ الطينيُّ ، أخلد إلى الأرضِ ، وتمرّغَ في وحلِ البعدِ عن الله - عزَّ وجلَّ - ، وتسلّطَ عليه الشيطانُ ؛ ليحرّكَ دواعيَ المعصيةِ عنده ، ويذكي نارَ الجرأةِ لديّه ، فتمتلأُ حياته آثاماً وأوزاراً ، أمّا إذا غلبت عليه النفخةُ الإلهيةُ ، فنجدُ له شأناً آخر ، إذ تستضيءُ نفسه ، ويستجمعُ قواه للتخلصِ من آثارِ الوحلِ وشوائبه ، ويحلّقُ بجناحي الخوفِ والرجاءِ في ملكوتِ الله ؛ رغبةً في الوصولِ إليه . 
والمتأملُ في ذاتهِ ليجدُ أنَّ لرجحان كفةِ النفخةِ الإلهيةِ أزماناً وأماكنَ مخصوصةً ، تتجلّى فيها النفحاتُ الإلهيةُ في أروعِ صورها ، وسيدُ هذه الأزمانِ شهرُ رمضان ، الذي فضلَ سائرَ الشهورِ بأيامهِ ولياليهِ ، فمن صام نهاره ، وقام ليله - إيماناً واحتساباً - غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه ، والسؤالُ الآن : ما أثرُ الصيامِ على النفسِ ؟ 
            للإجابةِ أقولُ : إنَّ للصيامِ الحقِّ - وأعني بالحقِّ ليس مجرد الامتناع عن الطعامِ والشرابِ ، بل صيامَ القلبِ عن الاشتغالِ بغير الله - تباركَ وتعالى - ، وصيامَ الجوارحِ عمّا حرّم الله - آثاراً كبيرةً على النفسِ الإنسانية ، ومن أهمها ما يلي : 
1- تقويةُ الاستعدادِ والتهيؤِ للاستجابةِ لما تقتضيه النفخةُ الإلهيةُ من الإقبالِ على الله - سبحانه وتعالى - ، والدخولِ في حظيرتهِ ، والتلذذِ بعنديته . 
2- إضعافُ تأثيرِ الشيطانِ عليه ، إذ في هذا الشهرِ الفضيلِ تُصفّدُ الشياطين ، وتقلُّ وسوستهم ، فيقوى الوازعُ الديني لدى الإنسان ، وتجده مقبلاً بطيبِ نفسٍ على من ينادي قائلاً : يا باغيَ الخيرِ أقبلْ ، ويا باغيَ الشرِّ أقصرْ . 
3- الشعورُ بالسكينةِ والطمأنينةِ ؛ لأن المرءَ في شروده عن الله وبعده عنه ، يتعدى حدودَ الله - عزَّ وجلَّ - ، ويتجرأُ على معاصيه ، فيظلمُ بذلك نفسه ، ويظلمُ غيره ، فتنتفي عندئذٍ سكينته ، وتذهبُ طمأنينته ، ولكن إذا ما جئنا إلى الصيامِ وجدنا الأمرَ جدَّ مختلفٍ ، فالنفوسُ صافيةٌ ، والومضاتُ الإلهيةُ متتابعةٌ ، والنفحاتُ تترى ، والمحلُّ قابلٌ ، فتزكو النفوسُ بما يأتيها من خيرٍ من ربها ، وتتعرضُ لنفحاتهِ القدسيةِ ، فينعكسُ ذلك عليها سكينةً وخشوعاً .  
4- رقيُّ الأخلاقياتِ ، وحسنُ المعاملاتِ ،  والتغافلُ عن الزلّاتِ ، والتماسُ الأعذارِ للمخطئين ، وحملُ كلامهم على أحسنِ المحاملِ ، ومقابلةُ الإساءةِ بالإحسانِ ؛ لأنَّ الصيامَ تهذيبٌ للنفسِ وتأديبٌ لها ، ولِمَ لا ؟ والعلاقةَ بين الصيامِ والنفسِ كالعلاقةِ بين الكيرِ والذهبِ ، فكما يذهبُ الكيرُ خبثَ الذهبِ ، وما تعلّقَ به من شوائبَ ، يذهبُ الصيامُ خبثَ النفسِ ، ويطهّرها من الشوائبِ والأدران ، ويضعفُ فيها داعيَ الشيطان . 
 
5- الوقوفُ على طريقِ العودةِ إلى الله - سبحانه وتعالى - ، والتقرّبِ إليه ، فإذا ما شردت نفسه بعيداً عن بارئها ، وحادت عن منهجه الذي اختطه لها كبح جماحها بالصيامِ الذي يضعفها ويقلّلُ شهوتها ، ومن قلت شهوته قلّت معاصيه ، ومن قلّت معاصيه ، وجدَ بابَ ربه مفتوحاً على مصراعيه ، فيدخل ليجدَ شفيعه - أعني الصيام - ماثلاً بين يدي ربه يستشفعُ لديه قائلاً :" أي ربِ منعته الطعامَ والشهوات بالنهارِ  فشفّعني فيه "  . 

هذه هي أهم آثارِ الصيامِ على النفسِ الإنسانيةِ ، إذا كان صيامها حقاً ، فاحرصوا - وفقكم اهمج - على تحقيقه ، وسلوا ربكم قبوله منكم ، ومغفرته لذنوبكم ، وتجاوزه عن سيئاتكم ، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هدى و العيون بقلم الشاعر هادي صابر عبيد

حرب السادس من أكتوبر: انتصار الإرادة والكرامة العربية بقلم/مرڤت رجب

الوحدة المنتجة المدرسية تنير سماء الشروق كتب عاطف محمد