هجرة الكواكب ) بقلمي جمال القاضي
( هجرة الكواكب )
بقلمي جمال القاضي
سمعنا من قبل عن هجرة الكواكب في السماء ، لكن تبقى نجوم السماء في مداراتها تدور حولها الكواكب .
يظن القارئ أن الكواكب وحدها تهاجر تاركة مدارها الذي كانت تدور فيه من قبل لسبب ما يعلمه الله .
لكن كما أن الكواكب تهاجر فهنا على تلك البسيطة تهاجر الكواكب البشرية والمقصود بتلك الكواكب هم علمائنا العرب نوابغ الأمة وعقولها التي تميزت بالذكاء فأبدعت في مجال دراستها وصار العالم كله ينعم بما توصلوا إليه من إختراعاتهم .
وهناك العديد من التساؤلات التي تدور في أذهان كل عاقل ومنها :
لماذا لم يبقى العالم في موطنه الأصلي ؟ ولماذا كانت هجرته ؟ وماهي الظروف التي تعرض لها لكي يعزم على الرحيل ؟ وهل كان مجبرا على ذلك أم كانت هجرته رغبته منه ؟ وماذا على كل دولة أن تفعله لتمنع ذلك النزيف المستمر لتلك العقول البشرية ليدمي جسد العلم بالأمة العربية ويبكي عيون شعوبها حسرة على مغادرتهم لأوطانهم ؟
إن السبب الرئيس في هجرة العقول البشرية النابغة يكمن وراء ما يعيشه المبدع فى وطنه الذي يعيش فيه من سياسة يتضح فيها التهميش له ، وما يجده الجيل الصاعد من المبتكرين من قلة رعاية وعدم متابعة، فالباحثون المتألقون والطلبة الممتازون لا يجدون، فى الغالب، البيئة الأكاديمية المناسبة ولايجدون الدعم المالى الكافى والتقدير الرسمى والاجتماعى المشجِّع لمشاريعهم البحثية ومبادراتهم العلمية، ولا يجدون فى أحيان أخرى الفضاء التعبيرى المفتوح الحر، القادر على استيعاب أفكارهم الجديدة وأحلامهم الجريئة. وهو ما يدفعهم إلى طلب الهجرة ومجافاة الوطن والرضا بالغربة بديلا من العودة إلى المواطن الأصلية، لأنهم يجدون فى الدول المستقبلة للأدمغة المبدعة منحة الابتكار، وبراءة الاختراع، ومخابر البحث والتجريب، ودورات التدريب والتطوير، وحق التفرغ للبحث مع التمتع بالراتب، زيادة عن توفير لوازم الإبداع ومتعلقاته وأسباب التألق ومكافآته، ومقتضيات العيش الكريم والإحساس بالحرية والقدرة على التفكير لتدبر شتى الموضوعات فى غير حجر على الرأى أو رقابة على
المعلومات ومصادرة معرفتهم .
ربما كان بعضهم يتصف بالجنون حين يأتي بإختراع لم يصدقه العقل البشري ، لكن هذا الإختراع كان يخضع للتنفيذ أن توفرت له الظروف ، ومع هذه الإتهامات جعلت العالم يفكر عن وسيلة وطريقة بها يصبح إختراعها على أرض الواقع .
ولانتهم القدرة الإقتصادية للدول العربية ، فهي تمتلك منها الكثير لتنفيذ تلك الإختراعات وتحويلها إلى واقع ، لكن كان الروتين سببا رئيسيا في منع التحقق ، علاوة الوقت الطويل الذي يستغرقه الإختراع ليحصل صاحبه على براءة هذا الإختراع .
ولو ذهبنا لبعض الإحصائيات لعدد العلما الذي هاجروا لوجدنا الكثير منهم ، فعلى سبيل المثال في عام 2004 فإن عدد الأساتذة الجامعيين العرب المهاجرين يقدر بـ 284 ألفا فى مجال العلوم الهندسية والتطبيقية، و179 ألفا فى مجال العلوم الحيوية والزراعية، و152 ألفا فى مجال العلوم التجريبية والعلوم الصحيحة، و136 ألفا فى مجال العلوم الإدارية وليس هذا الحصر جامعا لكل العلماء فهناء الكثير منهم قد هاجروا .
وإلى الدول الغربية وماذا تفعله لجذب هذه العقول :
حيث تقوم بمتابعة الكفاءات الصاعدة والموهوبين ورعايتهم؛ فتصطفى التلاميذ والطلبة المميزين، وتوفر لهم مراكز رعاية خاصة، تستكشف قدراتهم الخلاقة، وتستثمر طاقاتهم الإبداعية، وتوجههم الوجهة التى يجدون فيها أنفسهم، ويطورون فيها إمكاناتهم الابتكارية، فتصبح صناعة الذكاء وعملية صقل الموهبة من روافد كسب معركة التقدم، والفعل فى الحضارة الكونية، ولاينتهي الأمر إلى ذلك وفقط ، لكن كان لرجال الأعمال دورا كبيرا هناك ،
حيث أنهم راحوا يسثمرون أموالهم في تنفيذ هذه الإختراعات ، ففتحت مجالا جديدا وأفقا واسعا وكونا جديد للمخترع ليرى فيه أنوار إختراعه وبريق ماتوصل إليه ، مع تعويضه بالقدر الكافي من الأموال التي تشجعه أيضا على الإستمرار في البحث العلمي والإختراعات الجديدة .
هذا كله جعل تلك العقول مهاجرة وهاجرة لأوطانها لتبحث عن مأوى يرعى تلك العقول ويقدر مجهوداتها ويثمن ماتوصلوا إليه بتقدير يفوق تطلعاتهم التي كانوا يتمنونها .
أما هنا وفي الدول العربية :
نذكر على سبيل المثال مصر ، فهناك نحو 24 ألف براءة اختراع مصرية لايزال مصيرها مجهولاً.. والمخترعون أصابهم الإحباط لعدم القدرة على تنفيذ ابتكاراتهم أو تسويقها بعد مشوار طويل يقطعه المخترع ليحصل فيه على براءة الإختراع ، علاوة على المصروفات الباهظة والنفقات والرسوم مقابل النمازج التي يقوم بتصنيعها ، والنتيجة هو أنه بالنهاية يعيش أحلاما وهمية يستيقذ بعدها على كابوس من خيبة الأمل بالية وريقات أبحاثهم في أدراج تحفظها بعد أن نال منها الزمن من طول الإنتظار ، الأمر الذي يجعله يفكر دائما في هجرته للخارج .
كيف نوقف هذا النزيف المستمر للعقول البشرية أو الكواكب العلمية ؟
تلعب الدولة دورا كبيرا في وقف هذا النزيف ، فلو سخرنا جزءا كبيرا من ميزانيات الدول للعلم وتوجيهه إلى هذه الإختراعات وتبني الدولة إستراتيجيات واضحة لتنفيذها ووتسهيل وإزالة العراقل الروتينية أمام تلك الإختراعات لما هاجرت هذه العقول .
ولايقتصر الأمر على سياسة الدول وحسب ، لكن لرجال الأعمال دورا أكبر فهم يمتلكون القدرات المادية التي يمكن إستثمارها في تنفيذ هذه الإختراعات ، حيث أن العائد منها كبيرا مقارنة بالمشروعات العادية ، تفتح لهم منافذا للتصدير والبيع من خلالهم ليكون العائد في النهاية عليهم وعلى الدولة والمخترع .
وفي النهاية
إن تقدم الأمم ليس بما تملكه من المال وحسب لكن التقدم الحقيقي لاأتي بعيد عن العلم والجديد في مجالاته ، علينا أن نلقي الضوء دائما على العلم والعلماء فهم جميعا الثروة الحقيقية التي يجب أن نحافظ عليها بالرعاية ووضعهم في مكانتهم التي يستحقونها .
بقلمي جمال القاضي
تعليقات
إرسال تعليق