فى طريق الاسلام ومع أبان بن عثمان بن عفان إعداد / محمـــد الدكـــرورى
فى طريق الاسلام ومع أبان بن عثمان بن عفان
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن إبليس اللعين علينه لعنة الله تعالى، يجر الناس إلى التردي وبالتواكل والتقصير في أداء رسالة العلم تعلما وتعليما ليلقي بالمسلمين في حمأة الجهل التي تئول بهم إلى عدم الإيمان بفاطر الكون ومنزل الكتاب، ولكن ينطلق العلم في الإسلام من وجوب الأمر بالعمل، ومن وجوب الإيمان بالعلم النافع، والإيمان بالعلم النافع أصله هو اتباع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأوامر والنواهي، أما الأوامر فتعني اتباع كل طيب حسن، وأما النواهي فتعني ترك كل قبيح سيئ ضار، ولا أقبح ولا أسوأ، ولا أضر من الجهل الذي يؤدي بصاحبه إلى اتباع الشيطان، وذلك لأن العلم النافع، هو درع واقى وسلاح متين يحمي صاحبه من الشيطان ومسه، والجهل كل الجهل إنما هو اتباع الشيطان الرجيم، وإلى مغبة الجهل التي يفتلها الشيطان، ومن هنا يجب أن نفهم معنى هذا التحدي من إبليس لأمة الإسلام.
وذلك التحدي السافر المتمثل في جهات خبثه وكيده، تلك الجهات التي حددها للحيلولة دون التعلم ولإخلاد المسلمين إلى الأمية والجهل، وسف نتحدث عن عالم جليل، وفقيه من الفقهاء السبعه بالمدينه المنوره، فى زمن الخليفه الأموى الراشد، عمر بن عبد العزيز، وهو أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان الأموي، وهو تابعي مدني، وهو أحد رواة الحديث النبوي الشريف، وهو والي المدينة المنورة بين أعوام خمسه وسبعين إلى اثنين وثمانين من الهجره، في خلافة عبد الملك بن مروان، وهو أول من روى أحاديث في السيرة النبوية الشريفه، وحدّث بها، وإن من حسن الحظ أن من كبار التابعين الذين بدأوا التدوين في السيرة النبوية، وأصبحوا مصدرا رئيسيا من مصادرها كانوا من أبناء كبار الصحابة الذين أخذوا العلم عن آبائهم الكرام، وهم الذين رأوا كل شيء وشاركوا بأنفسهم.
بل كان من أوائل علماء السيرة من هم على صلة قريبة ووثيقة ببيت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مثل: عروة بن الزبير بن العوام، فأمه هى السيده أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وخالته هى أم المؤمنين السيده عائشة رضي الله عنها، وأبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما، هو الإمام الفقيه الأمير أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي المدني، وقد ولد رضي الله عنه في المدينة المنورة حوالي سنة عشرين من الهجره، وكانت أمه هى أم عمرو بنت جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث الدوسي، وكانت كنيته أبو سعيد، قال ابن سعد عنه : فولد أبان بن عثمان سعيدا، وبه كان يكنى أبو سعيد، وقد نشأ أبان في كنف أبيه، الخليفة الراشد عثمان بين عفان رضي الله عنه، وهو أحد السابقين إلى الإسلام.
والمبشرين بالجنة والذي كانت تستحيي منه الملائكة كما أخبر الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من كبار الصحابة وفضلائهم، وبيته من أصلح وأطهر البيوت، في أصلح وأطهر بيئة على وجه الأرض في ذلك الزمان، وهي بيئة المدينة المنورة، في هذا الجو وتلك البيئة وذلك البيت حيث الصلاح والتقى، نشأ أبان وتعلم، وقد قال بلال بن أبي مسلم: رأيت أبان بن عثمان بين عينيه أثر السجود قليلًا، وقال داود بن سنان مولى عمر بن تميم الحكمي: رأيت أبان بن عثمان يصفّر لحيته، وقال داود بن سنان: رأيت أبان بن عثمان يصفّر رأسه ولحيته بالحنّاء، وروى أبان عن أبيه، وكان ثقة وله أحاديث، وروى الحجاج بن فُرافصة عن رجل قال: دخلت على أبان بن عثمان فقال أبان: من قال حين يصبح لا إله إلا الله العظيم، سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله .
فقد عوفي من كل بلاء يومئذ، وروى محمد بن عمر عن بعض أصحابه قال: كان يحيى بن الحكم بن أبي العاص على المدينة عاملا لعبد الملك بن مروان، وكان فيه حُمق فخرج إلى عبد الملك وافدا عليه بغير إذن من عبد الملك، فقال عبد الملك: ما أقدمك علي بغير إذني؟ من استعملت على المدينة؟ قال: أبان بن عثمان بن عفان، قال: لا جرم لا ترجع إليها، فأقر عبد الملك أبانا على المدينة، وكتب إليه بعهده عليها، فعزل أبان عبد الله بن قيس بن مَخْرمة عن القضاء، وولى نوفل بن مساحق قضاء المدينة، وكانت ولاية أبان على المدينة سبع سنين، وقد حج بالناس فيها سنتين، وتوفي في ولايته جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية، فصلى عليهما بالمدينة وهو والى، ثم عزل عبد الملك بن مروان أبانا عن المدينة، وولّاها هشام بن إسماعيل.
وقد قال محمد بن عمر: أصاب الفالج أبانا سنة قبل أن يموت، ويقال بالمدينة فالج أبان لشدته، وتوفي أبان بالمدينة، في خلافة يزيد بن عبد الملك، ويعد أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي من كبار تابعي أهل المدينة، وأبوه هو الخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان، وأمه أم عمرو بنت جندب الدوسية، وهو أخو التابعي عمرو بن عثمان بن عفان لأبيه وأمه، وقد اختُلف في كُنيته فقيل أبو سعيد، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو سعد، وقد تفقه أبان بن عثمان في المدينة، ونال حظا كبيرا من دراسة الحديث والفقه، حتى قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحدا أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان، وحتى عدّه يحيى بن سعيد القطان من العشرة الذين انتهى إليهم علم الفقه في المدينة حين قال: كان فقهاء المدينة عشرة، سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
والقاسم وسالم وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن ذؤيب وأبان بن عثمان وخارجة بن زيد بن ثابت، وأما عن يحيى بن سعيد القطان، فهو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي، وهو مولى بنى تميم، وقد ولد سنة مائة وعشرين من الهجره، وقد توفى سنة مائه وثمانيه وتسعين من الهجره، ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلى وسائر أئمتنا، وكما ذكر عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن أباه أبا بكر كان يتعلم من أبان القضاء، وكان أبان بن عثمان أول من حدّث في السيرة النبوية، ولكن ليس في صورة سردية، وإنما في صورة أحاديث تتناول سيرة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، جمعها، وكان يقرأها على طلبته، وعبد الله بن أبى بكر، هو أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وهو تابعي وأحد رواة الحديث النبوي الثقات.
وقد شارك أبان بن عثمان في موقعة الجمل مع السيده عائشة بنت أبي بكر والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وموقعة الجمل هي معركة وقعت في البصرة عام سته وثلاثين من الهجره، بين قوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى ذلك الجمل، وقد تولّى أبان بن عثمان إمارة المدينة المنورة سنة خمسه وسبعين من الهجره، بعد يحيى بن الحكم بن أبي العاص في خلافة عبد الملك بن مروان، وظل واليها لسبع سنين حتى عزله عبد الملك سنة اثنين وثمانين من الهجره، وقد ولّى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي، وأما عن يحيى بن الحكم، فهو أبو مروان يحيى بن الحكم بن أبي العاص.
وهو رجل دولة أموي خلال خلافة ابن أخيه عبد الملك بن مروان، وقد شارك في معركة صفين مع معاوية بن أبي سفيان، وقد عينه عبد الملك على لجند فلسطين، ونُسب إليه نقش لبناء جزء من طريق يربط دمشق بالقدس، ثم أصبح واليا على المدينة المنورة لمدة عام، وكان أبان بن عثمان من أعلام رواة الحديث الشريف، وكان ثقة، وله أحاديث، فقد روى عن أبيه رضي الله عنه وغيره من كبار الصحابة، مثل: زيد بن ثابت وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، وقد قال العجلي: هو مدني تابعي ثقة، من كبار التابعين، ووثقه ابن حبان، وقال: هو يروي عَن أَبِيه، وكان من أعلم الناس بالقضاء، ولقد اشتهر أبان بن عثمان بالمغازي والسير وذلك فوق شهرته في الفقه والحديث، حتى أصبح من أساتذة هذا الفن الحائزين على ثقة العلماء، فهذا الخبر على وجازته يؤكد أستاذية أبان بن عثمان في المغازي والسير.
فقد كان الحديث والمغازي والسير من أحب الأشياء إلى أهل المدينة، وقيل أن أبان بن عثمان قد دوَّن ما سمع من أخبار السيرة النبوية والمغازي، وسلمها إلى سليمان بن عبد الملك في حجة سنة اثنين وثمانين من الهجره، فأتلفها سليمان، غير أنها بقيت لنا رواياته وآراؤه في المصادر التي وصلتنا بروايات تلاميذه، وقد روى له مسلم في صحيحه فى باب جواز مداواة المحرم عينيه، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبه، وروى له الترمذي وأبو داوود وابن ماجه، ففي الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يُضَر بشيء"
فكان أبان قد أصابه طرف فالج، فجعل الرجل، الذي سمع منه الحديث، ينظر إليه، فقال له أبان ما تنظر؟ أما إن الحديث كما حدثتك، ولكني لم أقله يومئذ ليمضي الله عليَّ قدره " رواه الترمذي وأبو داوود، وعن خارجة بن الحارث قال: كان بأبان وضح كثير، فكان يخضب مواضعه من يده ولا يخضبه في وجهه " ثم روى عن شيخه الواقدي قوله: " وكان به صمم شديد"، والوضح هنا هو البرص، لذلك ذكره الجاحظ في كتابه "البرصان والعرجان والعميان والحولان" فقال: " كان أحول أبرص أعرج، وبفالج أبان يضرب أهل المدينة المثل"، فيقال: " فالج أبان " لشدته، وذكر الجاحظ في موضع آخر أن فالج أبان كان من النوع الذي يسمى الفالج الذكر، وهو الذي يهجم على الجوف، فكان يؤتى به إلى المسجد، محمولا في محفة، وتوفي أبان بن عثمان في خلافة الخليفة الأموي.
يزيد بن عبد الملك فى عام مائه وواحد من الهجره، على أرجح الأقوال، وقال المزي وتابعه عليه الذهبي وابن كثير أن أبان بن عثمان توفي سنة مائه وخمسه من الهجره، بالمدينة وكان به ضعف في السمع وعرج شديد، كما أصابه الفالج في أخريات عمره قبل أن يموت بسنة، وقد خلف أبان من الأبناء سعيد، وكانت أمه هى ابنة عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وعمر الأكبر وعبد الرحمن وأم سعيد وأمهم كانت أم سعيد بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعمر الأصغر ومروان وأم سعيد الصغرى لأم ولد، وهكذا فإن العلم يعني أن يسير الإنسان في هذه الحياة على جادة واضحة سليمة في كافة شئون الحياة مرتبطا في كل حركة وسكون وقول وفعل بخالقه عز وجل، وهذا يعني أن الأمية ليست مجرد عجز الإنسان عن المعرفة والثقافة والإحاطة بتعلم القراءة والكتابة، ولكنها تعني وجوب التقيد بالعمل بما يعلمه الإنسان على القدر الذي يوفقه الله إليه.
تعليقات
إرسال تعليق